تغطية إخبارية، الحدود تسأل والحدود تجيب

أين اليسار اليوم؟ أنت تسأل وناشط يطلب تمويلاً لدراسة الفئات المهمشة التي تسأل هكذا أسئلة

فتحي العترماني - خبير الحدود في شؤون اليمين واليمين المتنكّر

Loading...
صورة أين اليسار اليوم؟ أنت تسأل وناشط يطلب تمويلاً لدراسة الفئات المهمشة التي تسأل هكذا أسئلة

أعادت الانتخابات البرلمانية في أوروبا أصحاب اليمين ما أصحاب اليمين إلى سدرٍ مخضود وطلحٍ منضود، في الحديقة الأوروبية التي يخشى جوزيب بوريل أن يغزوها ساكنو الأدغال، أما في روسيا يؤمن بوتين أن الرواتب والدعم الاجتماعي ورفاه المواطنين قضايا أشغلت الاتحاد السوفييتي في معركته ضد الغرب الرأسمالي الإمبريالي متسببة بانهيار معسكر اليسار، وأن لا عودة للأمجاد السوفييتية إلا بخلق شرق قيصري إمبريالي يميني مضاد. وفي الصين الشيوعية يطالب الأطفال تحت سن السادسة برفع الحد الأدنى للأجور في متجر شي إن وإلا سينتقلون إلى مصانع اليمين للعمل في آبل وتيسلا في شنغهاي.

أما آسيا، فترزح تحت حكم يمينيين شعبويين كما ينظّر رفاق من أمثال الزميل مايكل الذي وشمَ شعار نمور التاميل على كتفه الأيمن ولا يستطيع ترك كتاب "كرة القدم تحت الشمس والظل" من يده اليمنى، وفي الأرجنتين رئيسٌ يرغب بشدة أن يصبح نتنياهو، سبقه رئيس في البرازيل يرغب بشدة أن يكون ترامب. وفي منطقتنا العربية، لم يبقَ هناك خيارات سوى اليمين الحاكم أو اليمين الذي يؤكد أن لا صوت يعلو الآن فوق صوت المعركة مع الاستعمار الإمبريالي، ويساريون متحالفون مع هذا اليمين ويكتبون تجاربهم/ن الذاتية في المواقع الممولة من قبل الاستعمار الإمبريالي نهاراً، ويؤكدون مساءً عزمهم على حلّ خلافهم مع اليمين العربي بشأن المثليين والمرأة بعد انتهاء تلك المعركة.

بالتالي، يحق لك عزيزي القارئ أن تسأل: أين اليسار اليوم؟ من اختطفه؟ هل هو بخير؟ وبصفتي باحثاً غير مقيم وتأشيرتي منتهية الصلاحية في البلد الذي أسكن فيه أركز على قضايا اليمين واليمين المتنكّر عليّ الإجابة، لكن ولأن دور الصحفي نقل المعلومة فقط، توجهت بهذا السؤال إلى الناشط اليساري بدر أبو مُهجة، ووعدني بتقديم الإجابة فور عودته من الخلوة السنوية في جزيرة بالي التي ذهب إليها بداية الربيع رفقة منظّمته المعنية بشؤون الدمج والتمكين في ظل تقييد إيلون ماسك للخطاب المناهض للشعبوية على منصة إكس.

أثر التهميش لا يُرى.. أثر التهميش لا يزول

بعد انتظار شهر ونصف، عاد الناشط أبو مُهجة من الخلوة بمنظور جديد وذهن متّقد، وأكّد أن السؤال المطروح عن وضع اليسار اليوم له سياق اجتماعي محدد وجذر تاريخي بيئي استعماري وطبقي، وعليه فإن الإجابة عنه مَنوطة بهوية السائل/ة وتجربته/ا الذاتية، لأن "البيرسونال إز بوليتيكال" بحسب تعبيره، وعليه قرّر على الفور تحضير بروبوزال لتمويل دراسة شاملة ترصد أثر التهميش الممنهج من قبل السلطات السياسية والدينية المتعاقبة على سكّان الضواحي وأسئلتهم السياسية ليقدمه إلى المانحين في مؤتمر الإن جي أوز السنوي في كوبنهاجن الشهر القادم.

الحذر من كره الذات

يوصي الناشط أبو مُهجة بالحذر من الانجرار وراء هذه الأسئلة دون "إلقاء نظرة نقدية نحو الداخل"، إذ تشير آخر أبحاث علم النفس إلى أن طرح السؤال عن اليسار قد يكون ناتجاً عن كرهٍ عميق غير واعٍ للذات بسبب اختفاء أثر اليسار. لذا يوصي أبو مُهجة السائلين/ات بإجراء اختبار 16personalities على الفور والتعمّق في قراءة ليبيدو فرويد ومن ثم التوجه إلى الثيرابيست المناسب وبدء رحلة التعافي الذاتي "لإسكات الأصوات اليمينية التي توسوس باختفاء اليسار، علّهم/ن يجدن/ون اليسار الحقيقي في داخلهم/ن نهاية المطاف".

الأولويات مختلفة وقضايا أكثر إلحاحاً

رغم التهميش والتروما وكره الذات والجذور الاستعمارية التي تسببت بطرح هذا السؤال، فإن أبو مُهجة يرى أن هناك جانباً محقّاً بعض الشيء في طرحه، في ظل عدم قدرة العوام على فهم ترتيب أولويات اليسار التقاطعي، إذ إنَّ قضايا الوعي الطبقي والحقوق الأساسية وسؤال الملكية وتوزيع الثروة لن تهرب، ويمكن الاشتباك معها لاحقاً فور الانتصار في المعركة مع الرجل الأبيض ومساءلة الاتحاد الأوروبي على توجيه تمويله للمنظمات الأوكرانية وتقليص حصة المنطقة، والانتهاء من رصد التغيرات السوسيولوجية على بيئة الأرصفة في ظل غياب حملات التشجير ونقص الوعي الحضري وتدريب المواطن الصحفي على تغطية تلك التغيرات من خلال البودكاست، وتحييد التهديد الوجودي المتمثل بخسارة يسار الحزب الديمقراطي بقيادة الرفيق بيرني ساندرز أمام الجناح اليميني منه، والذي بدوره، يا حبيبي، يا حبيبي لو خسر أمام الجمهوريين مرة أخرى في الولايات المتحدة.

شعورك تجاه المقال؟