السيسي: أسباب وتداعيات
سهيل الأنّان - باحث في مركز الحدود لدراسات الوجود والعدم
٠٤ مارس، ٢٠٢٤
تمرّ المنطقة بمخاض عسير قد ينتهي بولادة شرق أوسط جديد مشوّه يعاني من نقص التروية وانخفاض الأكسجة، بمشاكل جديدة وأنظمة جديدة ودول جديدة داخلها دول وميليشيات جديدة. لكن مهما بلغ حجم التغيير تبقى هناك تجارب واقعية تنبئنا ببقاء بعض الثوابت الأساسية، مثل ظاهرة الرئيس الدكر عبد الفتاح نور عينينا السيسي الذي أشرف منذ عقدٍ على ولادة مصر جديدة لم تمنعه قزامتها الإقليمية وقبح ملامحها من رعاية ميلاد عاصمة جديدة وتأمين مصروفها ومصروف أبنائها في تيران وصنافير ورأس الحكمة.
لماذا السيسي؟
قد يعتقد البعض أن ظاهرة السيسي تتجلى بشكلٍ مادي يقتصر على رئيس مشير فحل دكر راجل ابن راجل٬ لكن ورقة بحثية أعدّها مركز الحدود لدراسة الوجود والعدم أثبتت أن ظاهرة السيسي، كما المادة، تأخذ أشكالاً صلبة وسائلة وغازية ومعنوية (١)، فقد تتجلى الظاهرة بكرسي رئاسي يلتصق بالمؤخرات مدى الحياة أو كوبري يصل بين المطبخ والشرفة في منزلك أو سائق شاحنة مساعدات يتعجب من تفريغ حمولة شاحنته في ثلاث طائرات مساعدات وهو في معبر رفح٬ وربما يكون قطرة عرقٍ تسيل على خدّ شيخٍ إماراتي في الساعة الرابعة و١٢ دقيقة من مساء صيفي في منتجعات رأس الحكمة لا يمكن الإحساس بها إلا بوصفها بالسيسي٬ فإن كان الأثر يدل على المسير، كيف لا يدلّ دَين الـ ١٦٥ مليار دولار الخارجي على المُشير.
كيف السيسي؟
السيسي بخير وأموره عال العال٬ رغم حمله لمشاكل سيناء ورفح وغزة والإمارات ومصر وصعوبة التعامل مع المستثمرين السعوديين في الوقت الراهن، لكن في حال كنت تسأل كيف سيكون السيسي ضمن مستقبل الشرق الأوسط؟ أؤكد لك أنه سيكون بخير وأموره عال العال وبأحسن حال فاستمرارية بيع الأراضي تعني حتمية الخروج من عنق الزجاجة.
من المرجح أنّه سيكون مرتاحاً من مشاكل سيناء ورفح وغزة، ليتفرّغ نحو ملاحقة حلم طفولته بأن يصبح ريادي أعمال، يقضي أغلب أوقاته في الإمارات يعدّ الأموال ويراقب حساباته البنكية، ويحدّثنا في البودكاست الخاص به عن ميزات العمل في سوق العقارات وكيفية كتابة البروبوزال الأنسب الذي يقنع الممولين.
أسباب للسيسي؟
انطلاقاً من النتائج في (١)، كشفت الدراسة أن ظهور الحاجة للسيسي له أكثر من سبب بحسب اختلاف أجناسنا وأنواعنا وأعراقنا وميولنا السياسية وحاجاتنا الاقتصادية وحتى رغباتنا الجنسية٬ لأن السيسي مفهوم واسع متعدد الأشكال، يدخل أدق تفاصيل حياتك، وأحياناً فيك نفسك، إذ لا يمكن الاستغناء عنه بسهولة، واستبداله لا يعني الخلاص منه٬ وعليه تبين الآتي:
- السيسي لمصر كالعدس للكشري٬ فهو المكون الأساسي من مكونات "الشعب والسلطة" ولا يمكن استبداله وإلا لن يبقى الكشري كشرياً ولا مصر مصرَ ولا الجيش جيشاً.
- أما حاجة الزعماء العرب للسيسي فهو كحاجتهم لشعوبهم٬ أمرٌ لا ضرر فيه، إذ يمكن بيعهم أو تأجيرهم أو شرائهم أو الإملاء عليهم أو تجاهل وجودهم كلياً، لكن يمكن الاستفادة أحياناً من الحديث عن سيادتهم في الخطابات.
- كما تبين أن حاجة إسرائيل للسيسي في المنطقة أكثر أهمية من رئيس الوزراء أو وزير الدفاع أو رئيس الأركان، إذ يمكن لأولئك أن يتخاذلوا في حماية الأراضي الإسرائيلية كما حدث في السابع من أكتوبر، بينما يبقى سجل المشير نظيفاً في تحقيق تلك المهمة التي يعمل عليها من قلب ورب.
- ولاحظت الدراسة احتياج الفنانين والمبدعين والكتّاب والشعراء والصحف لوجود السيسي٬ كونه يحفز المساحات الإبداعية بداخلهم٬ وينقلهم لفضاءات واسعة من الإنجازات التي يعجز جون تولكين وجورج مارتن عن تخيلها.
تداعيات وجود السيسي
خلصت الدراسة أن تداعيات وجود السيسي كما السيسي نفسه، لا يمكن حصرها أو حسابها بالأرقام أو الأحجام أو السنوات أو الأفعال٬ لكن مهما صغرت في عين الناظر العادي، تبقى كأثر فراشة بلهاء ملونة عديمة القيمة تتحرك عشوائياً٬ قد لا تدرك واقع الزهرة التي تحط عليها لامتصاص رحيقها٬ لكنها من المؤكد ستُحدث إعصاراً مدمراً في وقتٍ ما.