تغطية إخبارية، الحدود تسأل والحدود تجيب

هل تمحو الهجرة ما تقدم من الذنب وما تأخر؟ معتقل سابق يسأل وسجّانه المتقاعد في هولندا يجيب

فتحي العترماني - مراسل الحدود لشؤون الصفحات التي ترغب بشدّة أن تصبح بيضاء

Loading...
صورة هل تمحو الهجرة ما تقدم من الذنب وما تأخر؟ معتقل سابق يسأل وسجّانه المتقاعد في هولندا يجيب

بينما كان المواطن الهولندي الناجي من الجنسية السورية فاضل أبو جندوب يتجول بين أقسام السوبر ماركت في صباحٍ شتوي هادئ يوم الأحد يلتقط حاجياته الأساسية للأسبوع، سمع من خلفه صوتاً أجشَّ يقول للموظفة خوديمورخه، شعر بنوعٍ من الألفة للصوت، لم تكن خوديمورخه عادية، على ما حملته من لطف. لم يكترث كثيراً وتابع جولته التسوّقية بشكلٍ اعتيادي. لكن بعد دقائق، وعندما سمع الصوت نفسه يستفسر من الموظفة عن حبوب الشوفان إذا ما زُرعت في مزارع عضوية أم بيوت بلاستيكية؛ أدرك أنه نفس الصوت الذي كان يسأله منذ ١٢ عاماً "مين ربك ولا؟َ!" في قبو فرع فلسطين.

سبّح أبو جندوب مغيّر الأحوال على الفور، وتوجّه نحو باب الخروج وفي رأسه الكثير من الأسئلة، هل تجبّ الهجرة ما قبلها؟ ما الذي يدفع عميداً أضرب واطرح لترك منصبه في قيادة فرع أمني أضرب واطرح والتوجه إلى أوروبا للعيش كمواطنٍ عادي لا يضرب ولا يطرح كأي حشرة حقق معها في الماضي، زاهداً فيما سيأتي ناسياً ما قد مضى؟ أهي الضغوطات النفسية، التوبة، أم التقاعد المبكّر من مهنة البلطجة الأمنية بعد إدراك ما تتطلبه من ساعات عمل ليلية طويلة وتقارير لا تنتهي يطلبها علي مملوك كل الصباح؟

استوقف أبو جندوب سيادة العميد السابق والمواطن اللطيف الحالي كُ.أُ. ليطرح عليه تلك الأسئلة مطمئناً هذه المرة أنه لن يتمكن من الرد عليه بصفعة على وجهه لتجرؤه على النظر في عينيه وطرح الأسئلة، وبالفعل أثبت سيادته أنه في نيو كاونتري، نيو هِم. فقال إنه يتحفّظ على الإجابة، وأكّد أنه مواطنٌ يتمتع بكافة الحقوق الإنسانية، وإن لم يتوقف عن طرح هذه الأسئلة التي تُشعره بانتهاك الخصوصية فإنه قسماً عظماً سيرفع به شكوى ويجرجره إلى المحاكم ليتعلّم أصول العيش في دولة قانون.

لم يُشفَ غليل السيد أبو جندوب، فتوجّه بأسئلته لعدد من المنظمات الحقوقية، لكنها طلبت منه ملء استمارة مكونة من ٧٢ صفحة والانتظار إلى حين انتهاء إجازة فريق العدالة والمساءلة في إيطاليا ومن ثم طاولته المستديرة في قبرص والنظر في تساؤلاته للإجابة عنها بحلول الشتاء المقبل؛ فأعاد توجيهها إلى بريد الحدود، فالتقطتها وذهبت بها إلى الزميل رمّاز قضباني أستاذ القانون الدولي في جامعة كولومبيا للحصول على إجابة تخصصية.

يقول الأستاذ رمّاز إن الإجابة هي نعم ولا، إذ يعتمد الأمر على طريقة الهجرة والاسم الأول واسم العائلة والرصيد البنكي، فعلى سبيل المثال، إن كنت مجرد مديرٍ سابق لفرع الخطيب مثل أنور رسلان أو قيادي في ميليشيا الدفاع الوطني مثل رفيق قطريب أو حتى قيادياً في لواء القدس كمصطفى الداهودي، وقدمت إلى أوروبا مهاجراً وخضت إجراءات الروتينية من تقديم طلب وفحص قبول وتحقيق وما إلى ذلك، فإنك قد تكون عاثر الحظ وتصطدم بمحامٍ أو ناشط حقوقي حاقد يعكّر عليك صفو حياتك الجديدة التي بدأتها للتو. أما لو كنت رفعتَ مثلاً، وكنيتك الأسد، وغادرت بطائرة خاصة مثل العالم والناس ومعك ٢٠٠ مليون دولار مصروف جيب من البنك المركزي، استثمرتها في شراء العقارات واللوحات، فنعم، جلّ من لا يسهو، وكلّنا خطّاؤون، وبياڤنيو ا پاغي، مسيو غفعت. فبهت الذي سأل وقررت التوجه إلى السفارة لأفتح صفحة جديدة وأطلق صنفاً ثالثاً من المهاجرين الراغبين بالمعاناة مع الضرائب والإيجارات المرتفعة لا أكثر.

شعورك تجاه المقال؟