تغطية إخبارية، تقرير

برنامج "الأمل بالعمل" ينجح بمأسسة نظام الإتاوات في سوريا

فتحي العترماني - مراسل الحدود لشؤون الدول الناشئة بين الأجيال

Loading...
صورة برنامج "الأمل بالعمل" ينجح بمأسسة نظام الإتاوات في سوريا

تقدّر صناعة الإتاوات في سوريا اليوم بثلاثة مليارات دولار على الأقل. يُطلق عليها محلياً اسم "الاقتصاد السوري"، وتعدّ الصناعة الأسرع نموّاً والأكثر حيوية واشتباكاً مع كافة القطاعات الاقتصادية المنهارة الأخرى في البلاد، من شراء الطوابع وحتى صناعات الطاقة والطيران؛ ولم يكن ذلك ممكناً لولا جهود مكرّسة وأخطاء ودروس مستفادة وأخطاء جديدة ودروس مستفادة جديدة وأخطاء ودروس وأخطاء ودروس بدأت كلّها في عهد السيد الرئيس الخالد حافظ الأسد ولن تنتهي عند السيد الرئيس حافظ الأسد.

بدأت البداية مع شاب طموح يدعى السيد وزير الدفاع الفريق حافظ الأسد حَلم طوال حياته بتأسيس الفاميلي بزنس الخاص به، لكن الظروف عاكسته ووجد نفسه مؤسساً لسوريا الحديثة بدلاً من ذلك. إلا أنه لم يتخلّ عن حلمه، فقرر تحويلها إلى فاميلي بزنس عابر للأجيال، وأطلق عهد الإصلاح الجديد. حيث بدأ بتأميم القطّاع الخاص وثمّ خصخصته ضمن عائلة واحدة.

قصة نجاحه وصعوده هذه ألهمت أسرته وجميع أفراد عائلته الذين أدركوا أن تحقيق الحلم لا يتطلب سوى إيمانٍ راسخ وبضعة ضباط موالين مع رشاشاتهم ودباباتهم وفرع أمن، وتضخّم الحلم لدى الفتى رفعت الأسد شقيقه وشريكه المؤسس في سوريا المساهمة المُغْفَلة معدومة المسؤولية (س.م.م.م.م)، وحاول الاستقلال وتأسيس فاميلي بزنس منافس. لم يكن أمام حافظ سوى الإطاحة به، لكن الدم لا يصبح ماء، بل يُطرد إلى فرنسا ومعه ٢٠٠ مليون دولار إتاوة من الخزينة العامة.

ماضون على النهـش 

تدهورت صحة الأب المؤسس القائد الخالد حتى توفّي وخلفه في رئاسة مجلس الرئاسة ابنه الرئيس القائد الخالد الشاب طبيب القلب والعيون بشار الأسد الذي حفظ إرث والده وأضاف عليه لمسته ليصبح باني سوريا الأحدث من الحديثة دون التخلي عن فكرة الفاميلي بزنس وأصول الكرم مع العائلة، فسلّم أخاه ماهر المنافذ البرية وأكبر فرقة في الجيش السوري ليتسلّى بها في أوقات فراغه، وأهدى ابن خاله الصغير بضعة هدايا رمزية صغيرة ليُحببه بالعمل، مثل قطاع التجارة الداخلية وصناعة الطيران وإتاوة ٥٪ حصّة في كل شركة جديدة تتأسس.

شهدت الشركة أياماً ذهبية، وصار جميع أبناء الشعب السوري شركاء قسريين فيها، إلى أن ألقى عام ٢٠١١ بظلاله عليها، واتضح أن السيد الرئيس بشار الأسد شخصٌ ممتاز والمحيطون به هم العرصات؛ عزلهم وعيّن محيطين آخرين، فاتضح أنهم هم العرصات أيضاً، إذ عاثوا بالاقتصاد فساداً، ونقلوا عدوى العرَصْ إلى الشركاء المؤسسين، فراحت حواجز ماهر الأسد تسطو على بضائع رامي مخلوف، وتغوّل رامي على قطّاعات الاتصالات والإلكترونيات والشركات الحكومية وتجرَّأ على التعرض لدولة المؤسمئات.

هنا أدرك السيد الرئيس أن الأقارب عقارب كلاب لا يؤتمن لهم جانب، فلجأ إلى رئيسة جمهورية قلبه السيدة الأولى، التي كانت قد أنهت لتوها فترة نقاهة واستشفاء من مرض السرطان أمضتها بمشاهدة بريكينغ باد واستلهام قصة هايزنبيرغ، قدّم لها في تلك المناسبة هدايا صغيرة كالتي أهداها قبل عقدين لمخلوف، واتفق معها على تأسيس مكتبٍ مالي بين الحمّام وغرفة النوم في القصر الجمهوري، لإدارة الفاميلي بزنس عن كثب بدلاً من إدارته من ردهات الفنادق وأقبية أفرع الأمن. عانقته وقالت له: كما تأمر ابن عمّي، ثم عيّنت يداً يمنى تدعى يسار لتسيير شؤون الإتاوات. 

فجر الإتاوة المحوكمة

أسس يسار إبراهيم الشركات الجديدة وحافظ على الشراكة مع الشركات القديمة، حتى أنه نجح في رفع النسبة من ٥٪ إلى ٢٠٪ و٥٠٪ في بعض الحالات، وبشكلٍ منظّم مرتب مُحدد بجداول جذابة ومُدرج في الجريدة الرسمية.

لم يكتف بذلك، بل توجه نحو حزمة الإصلاحات التي وعد بها السيد الرئيس منذ أكثر من عقد، فكّ عنها الربطة، وأطلق برنامج إتاوات جديد …

برنامج الأمل بالعمل ...

في هذا البرنامج، لم يعد مقبولاً اختطاف صغار رجال الأعمال الكسبة للموافقة على التنازل عن حصص بشركاتهم كما فعل رفعت الأسد ورجال رامي مخلوف؛ صار المكتب المالي يستدعي رجال الأعمال بكتاب رسمي ويستضيفهم في قبو فرع الخطيب (أي فرع ٢٥١ التابع لإدارة المخابرات العامة) بدلاً من الغرف المظلمة في الجبال. لم تعد المبالغ المطلوبة تُسدد على شكل شراكات أو بضائع مهربة تدفع من تحت الطاولة، بل صارت مبالغ مالية محددة تُدفع بشكل رسمي في المصرف المركزي بمسميات واضحة مثل "ضرائب إعادة إعمار" و "تعويض أضرار زلزال".

ساهمت هذه العملية في استقرار وديمومة التفاف أبناء الشعب السوري من كافة الطبقات على قيادتهم أو ضمن بساط الريح إن لم يرق لهم الخيار الأول، وها هُم يؤدون واجبهم الوطني بدفع الإتاوة لإعادة إعمار ثروة السيد الرئيس التي تضررت بفعل الإتاوات التي ما زال يدفعها لإيران وروسيا.

وتوتة توتة؟

كلا، فالرياحُ جرت بما لا يشتهي الأسدُ، إذ لاحظ مؤخراً أن السيدة الأولى بدأت تتغافل عن حقيقة أنه السيد الأول، وصدّقت أنها "ست الكل" فعلاً كما غنى لها حيدرة بهجت سليمان ذلك للحصول على رخصة شركة سياحية، وراحت تؤسس الشركات وتبرم الصفقات وتنشئ شبكات الإتاوات دون إشراكه فيها، فما كان منه إلا أن لا يقف متفرجاً، ولا يجلس مكتوف الأيدي، ليفعل ما يجيد فعله: خلط الأوراق وتغيير مواقع العصي في الدواليب وإعادة الهيكلة والتعريف. أنشأ طبقة تنظيمية وسمّاها "أمانة رئاسة الجمهورية"، لتشرف بشكل رسمي -وبإشرافٍ منه- على عمليات زوجته وبقية الأقارب بأمانة تضمن حقّه، الذي لم يتبين بعد على حساب حقّ من سيكون هذه المرة.

شعورك تجاه المقال؟