تغطية إخبارية، خبر

كاتب ليبرالي: الهجوم الهمجي الذي شنّه الفلسطينيون على إسرائيل قوّض جهودي الشخصية لإحلال السلام

نجم أبو النجوم - مفكّر مدني حر وقارئ كتاب سيكولوجيا الجماهير ثلاث مرات

Loading...
صورة كاتب ليبرالي: الهجوم الهمجي الذي شنّه الفلسطينيون على إسرائيل قوّض جهودي الشخصية لإحلال السلام

كنت على وشك وضع التوصيات في نهاية ورقتي البحثية التي أعدها حول السلام باستخدام الجدل الديالكتيكي عندما علمت أن الهمج يفعلونها مجدداً. يدخلون أرضاً ليست أرضهم، يداهمون منازل ليست منازلهم، ويجوبون شوارع مدن وكأنها حقّهم التاريخي. دخلوا عنوةً في منتصف الليل دون أدنى مراعاةً لخصوصية شاب في المرحاض أو ضابطٍ بملابسه الداخلية أو طالب هندسة معمارية يسهر الليالي لإعداد مشروع تخرجه بتصميم مخططات لثلاث مستوطناتٍ جديدة، فلماذا لم يطرقوا جدران السياج الشائك؟

لأنهم ينحدرون من عصور الظلام، أرأيتم مفكّراً يدخل معهم؟ هل استشاروا بروفيسور علوم سياسية خرّيج جامعة كولومبيا في عمليتهم؟ هل دخلوا بباقات الزهور أو جلبوا معهم لوحات إيدو ماركوس ليتأملوها مع الإسرائيليين ويصلوا مكامن السلام الداخلي فيها؟

سبعة عقودٍ وجيرانهم يعلّمونهم إتيكيت استخدام جرافة D9 في إزالة مظاهر العشوائية واللاتمدّن في أحياء مخيم جنين، ليستيقظ حضرة جناب المدعو أبو عبيدة صاحب أزياء الفلاحين التي لا تتغير صباحاً ويقرر استخدام الجرافة في تخريب جدارٍ معدني أنيق برّاق بدلاً من طرق جدران السياج الشائك!

سيطرت الحركات الإرهابية في غزّة على الحشود، واستخدمت الدين بصفته أفيوناً لتخدير الجماهير سيكولوجياً بما لا يسمح لورقتي البحثية التي كنت على وشك إنهائها بتبيان -لأول مرة في تاريخ البحث والتقصي والأكاديميا- أن ميزان القوى غير متكافئ، حيث لم ترتقوا وفكرياً وحضارياً وتقنياً مثل جيرانكم لتسمح لكم الولايات المتحدة بامتلاك أسلحة ردع، وفقط ردع. كانت توصيات ورقتي ستُعيد كلّاً إلى مكانه، حماس نحو طاولة المفاوضات، وإسرائيل نحو حلّ الدولتين في إسرائيل كبرى واحدة والالتزام بحدود الـ ٤٨ الـ ٦٧ الـ ٧٣ الـ ٨١ الـ ٩٣.

ومن ضمن ما فات البشريّة في فصل ورقتي الأخير هو تحليلي الديالكتيكي الذي أثبت أن اليسار الإسرائيلي أوشك على إسقاط حكومة نتنياهو خلال مدة أقصاها عام ٢٠٧٣. ولكن هذا الحلم التقدمي تبخّر مع آخر فتفوتة من مخطوطي، الذي احترق  بثلاثة صواريخ إسرائيلية نزلت بالخطأ على المبنى الذي يضم مكتبي وصورتي أمام مبنى الأمم المتحدة.. وأحلامي بالسلام.

ليت تصرفاتكم هذه اقتصرت على تدمير غزّة، لكنها أيضاً امتدّت لتعطل اتفاقية التطبيع السعودية الإسرائيلية، رامية شهوراً من الجهد والتخطيط والمفاوضات في غياهب الانتظار؛ ولا تعتقدوا لوهلة أن الطاقة النووية وطائرات الـ F-16 هي ما دفعت محمد بن سلمان نحو المفاوضات، لا يا أعزائي، بل وحدها مواظبتي على إرفاق كل تصريح وخبر جديد أشاركه عن زيارة وزير إسرائيلي أو إقامة صلاة يهودية في الرياض بهاشتاغ #لا_للعنف_نعم_للسلام.

يعتقد أبو عبيدة وأتباعه من أناركيي الإسلام السياسي أن مهاجمة الدول المتحضرة لن ينجم عنه تبعات أكثر من تدمير جنين أو غزّة أو الخليل، لكن ما فاتهم بحكم عدم قرائتهم لكتاب سيكولوجيا الجماهير، هو أنه عليكم الاستعداد لردّات فعلٍ راديكالية لا يتصورها عقل، لأن من حق الدولة -حتى المتحضرة- استخدام القوة للدفاع عن نفسها في وجه خفافيش الظلام، بينما على الرجعيين التعلم أن ما أخذ منهم بالقوة لا يستعاد إلا بمناظرات وبرامج تبادل ثقافي إن جي أوزي.

شعورك تجاه المقال؟