لايف ستايل، دراسة

بين كينونة النهد وصيرورة الشبق: مستقبل الرداءة الشعرية كمكوّن أصيل في الثقافة العربية

مالك الحيارى منصور - شاعر الحدود ما بعد الحداثي

Loading...
صورة بين كينونة النهد وصيرورة الشبق: مستقبل الرداءة الشعرية كمكوّن أصيل في الثقافة العربية

طالما تنعمت الثقافة العربية بشعراء موهوبين أصحاب ذائقة رفيعة تنتصب بشدة أمام أرهف المواقف الحسية، فتنضح ألسنتهم بعذب الكلام ويولجون كلماتهم في آذان الجمهور المتلهف، ليقذفوا عليهم عشرات النهود والأثداء والقبلات، قبلَ أن يُسيلوا عليهم بعض الرحيق من عطر الكلام، فيصل الشبق ذروته ويصرخ متألماً بين ثنايا القصيدة، فتشتعل قاعات المراكز الثقافية التي لا يعرفها سوى انتلجنسيا المقاهي بالتصفيق الحار لهؤلاء الشعراء، ولهذا الشعر الجامح الذي لا يعرفُ حدوداً، وإن عرفها، فأنه لا يتورع عن دفن رأسه بينها واستنشاق رائحتها.

لكن سؤالاً بدأ يتردد صداه في مواخير الأدب، حول مستقبل الرداءة الشعرية كمكون أصيل في الثقافة العربية، خصيصاً أمام تراجعها وانكسارها أمام ما بعد الحداثة الشعرية وما جلبته معها من ابتعاد عن المعتاد من استخدامٍ للنهود ومضاجعات حميمة للحروف خلف أكمة الوجود، ما دبَّ الرعب في قلوب الشعراء خوفاً على مستقبلهم، واستنفرت الجامعات والمنابر الثقافية لحشد نفسها أمام خطر إصابة الثقافة العربية بعجزٍ إذا ما تراجعت الرداءة الشعرية أو حلّ بها أيّ مكروه.

مركز الحدود للممارسات الثقافية (م.ح.م.ث) هبّ لإجابة جموع الشّعراء، واستلّ أقلامه وأرسل مراسليه وموظفيه إلى الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية والمهرجانات الخطابية، ليسمع ويسجّل ملاحظاته، ويقدم للمشهد الثقافي العربي دراسة متكاملة لسبل الحفاظ على الرداءة، وتقوية الاعتماد على أعضاء الجسم البشري من أعين وشفاه ونهود وخصور وأرداف وسواها من عناصر أساسية في المخيال الشعري الحسّي.

النهد بخير، إذاً الشعر بألف خير

رغم المخاوف المحيطة بواقع الشعر العربي المعاصر، إلا أن قرابة ٩٧٪ من الأمسيات الشعرية التي حضرها مراسلو الحدود من متذوقي الفن، شهدت استخداماً مكثفاً للنهد بمعدل ٥ نهود وحلمة في الأمسية الواحدة، لتزداد إلى ١١ نهداً دفعة واحدة في الأمسيات الشعرية التي أقيمت أيام الخميس، ما يستبعد ضعف تدفقات النهد الشعورية وانهمارها على جموع العطاشى من ذواقي النهد الشعر العربي، وهو ما أكدّه لنا الشاعر الخمسيني الجاد نبراس أبو فنطزة "صحيح أننا وصلنا زمناً أصبح فيه الشاعر الممسك بالنهد كالقابض على الجمر، لكن كل نهد سيلد قصيدةً ومحال أن تنتهي النهود".

 لماذا نهد وليس بزاً؟

كما هو حال الشعر الحديث بوصفه مجدداً لشعر القوافي والمعلقات، لاحظت الدراسة جنوح ثلة من الشعراء تتجاوز نسبتها ٩٧٪ نحو تجديد الرداءة الشعرية وإسباغ روح العصر عليها، من خلال استخدام ألفاظ واستعارات وتشبيهات أكثر قرباً من الشارع حتى تصل الجماهير الجاهلة التي لا تدرك معنى نهد أو فرج أو فتحة شرج.

يحاجج الشاعر والقاص نديم همجيلالي بضرورة استخدام مفردات مثل بز عوض نهد وطيز عوض أرداف وبراطم عوض شفاه "ما سيزيد من قدرة النص على المغامرة الشعرية وارتياد مناطق كانت نائية ومجهولة، إيماناً مطلقاً بحرية الإبداع، ليكتسب الفضاء الشعري قيماً جمالية تنافس ما يسمعه الرعاع من كلمات أغاني مشوهة في وسائل النقل العامة".

إغراق الجسد في بحر القصيدة

 تؤكد الشاعرة زنبقة الشروق أن هناك خطراً يلوح في الأفق يتهدد مستقبل الجسد في القصيدة العربية، لذا لا بدّ على الشعراء العرب أن يتشجعوا ويزيدوا من حضورهم الجسدي في القصيدة وهو ما بدأت بفعله زنبقة "أجريت عملية لتكبير الصدر، إصراراً مني على وجوده وحتى يراه القاصي والداني ويدركوا جيداً تموضعه في صدر الثقافة العربية، وأعتزم في الأمسية الشعرية المقبلة أن أضعه أمامي على المنبر وأمرّره على الميكرفون حتى يشعر الجمهور بوهج كلماتي وحرارتها".

شعورك تجاه المقال؟