من هو الشعب المتخلف الذي تصفه كل الشعوب بأنه متخلف؟ الحدود تسأل وأنت لا تجيب لأنه يلعن *** هكذا شعب متخلف لا يعرف إجابة السؤال
أنور ابن أنور ومايكل أبو العاص - متخلفا شبكة الحدود عن الحضور إلى العمل بالموعد
٢٠ أغسطس، ٢٠٢٣
نظراً للظروف الاقتصادية وتخلّف صرف رواتبنا بفضل أبو صطيف الذي يخبئها لنا إلى أن نكبر، نتقاسم أنا والزميل أنور منذ مدّة أجرة الذهاب والعودة من وإلى العمل، وكتابة المقالات المطلوبة منا بإنجازها معاً في الطريق الطويل المزدحم لنتمكن من تسليمها عند وصولنا إلى المكتب بالتزامن مع انتهاء الدوام.
يوم أمس، عقدنا بعد ساعة من ركوبنا سيارة الأجرة اجتماعاً مع السائق، تطرقنا خلاله لجملة من القضايا الشائكة، مثل الفساد وتفاهة هذا الجيل والأجيال السابقة والمقبلة ودرجات الحرارة العظمى والتغير المناخي والسرطان، دون أن نُغفل الحديث عن وتأخر صرف راتبي أنا وأنور، والقدر الذي ساقه للقبول بنقلنا رغم معرفته من هيئتنا أننا لن نترك له الفكّة عند وصولنا، وتوصلنا إلى وجود ثلاثة أسباب رئيسية تقف وراء كل هذا:
١. شعب متخلف.
٢. شعب متخلّف يا عمي.
٣. وضع يد فوق الرأس وأخذ نفساً طويلاً من السيجارة باليد الأخرى والنظر إلى الأفق البعيد ثم إخراج الدخان أثناء قول: إييييييه، شعب متخلّف.
كان يمكن أن نكتفي بهذه النتائج، لكننا أنهينا الحديث عن كل شيء ونحن لم نزل بعد في منتصف الزحام، فلذنا بالصمت الجميل وانصرفت للتأمل والتفكر وطرح الأسئلة الوجودية: إن لم أكن أنا وأنور وسائق التاكسي متخلّفين، ومجموعة واتس آب العائلة التي لا تضم سهام وبناتها وعمّي ظريف، تؤكد في كل موقف وعند مشاركة أي خبر عليها أنه طبعاً، ما الذي نتوقّعه من شعب متخلّف؟ وكل من تسأله عن رأيه يخبرك بأن الشعب متخلّف. كلنا متحضّرون ونعاني منه. فمن هو هذا الشعب؟ ولماذا لم يسبق أن التقى أحد بفرد منه وجهاً لوجه؟ هل يعمل كذراع للماسونيّة العالمية؟ أين يقيم ويعقد اجتماعاته؟ لماذا لا يكون رجلاً ويظهر نفسه لنا؟ هذه الأسئلة وأسئلة أخرى لن نجيبها، ولن ننتظر منك الإجابة عليها لكونك إما تتساءل مثلنا، أو أنك تسبّنا لطرحنا هكذا سؤال ينم عن تخلّف الشعب.
لهذا وذاك وتلك، قررنا تقديم بعض المقترحات، آملين بفتح نقاش حول الموضوع واستدراج بعض المتخلفين للكشف عن هويتهم وإمساك أي زلّة لسان منهم ترشدنا لمعرفة أي شيء عن هذه الفرقة الغامضة:
الأقليات
لطالما وضعت الأقليات العصي بدولاب التقدم وتسببت بالدوشة ووجع الرأس بقضايا لا تهم الأغلبية، لأنها أقليات، ولم تفهم بعد بضرورة الانصهار في بوتقة الأغلبية، أو لكونها لا تستطيع ذلك بسبب عرقها أو دي إن إيهها؛ وبالتالي، من المنطقي جداً أن يكون أي قليل -بغض النظر عن نوعه- هو المتخلّف الذي يتحدّث عنه الجميع. كنّا لننهي البحث هنا لولا معضلة وحيدة واجهتنا في إثبات هذه النظرية، وهي أن الأقليّات تلوم بدورها الشعب المتخلّف على وصول أي أمر سيء لما وصل إليه من سوء.
الأغلبية
انطلاقاً من النقطة السابقة، ولأننا لن نستوحش طريق الحق لقلّة سالكيه، فمن المنطقي أن يأتي التخلف من الطريق المكتظ بالأغلبية، خصوصاً وأن أصابع الاتهام تتوجه للشعب المتخلف عادة في جلسات مغلقة ذات عدد قليل، مثل جلستي أنا وأنور وسائق التكسي، أو مجموعة العائلة التي تضم سبعة من أصل ٥٦ فرداً من عائلة أبو العاص العريقة. كنّا لننهي البحث هنا لولا أن أنور المتخلّف لعنة الله عليه باغتني بسؤال متحذلق وضيعٍ أبقى فرضيّتي ناقصة عندما قال: هل يمكن أن يكون المرء متخلفاً ومتحضّراً في نفس الوقت؟ ماذا لو كنتَ على سبيل المثال عضواً في مجموعة واتساب تضم أقلية منغلقة على نفسها، وتتبع في ذات الوقت ديانة الأغلبية؟
الآخرون بشكل عام
انطلاقاً من النقطتين السابقتين، ولكوننا لم نصل بعد إلى تحديد الشعب المتخلّف، فمن المنطقي أن يكون الآخر بشكل عام -أي آخر- هو المتخلّف المنشود؛ إنه آخرٌ لأنه ليس منّا حيث نحن الأقلية الناجية، أو آخرٌ لأنه ليس منّا حيث نحن الأكثرية التي وصلت إلى صواب مطلق، آخرٌ لأنه ليس سائق التاكسي ولا أنور ولا حتّى عمّي بهاء مالك ومدير مجموعة الواتساب التي تضم نخبة النخبة من عائلة أبو العاص العريقة، وليس أنا لأنني من نخبة النخبة في هذه العائلة والمجموعة، كما أنني هنا أبحث معك عنه، ولا أنت بدليل أنك تسبّنا على هكذا سؤال متخلّف.