أين المغيّبون؟ مواطن عراقي يسأل وميليشيا تأخذه إليهم ليعرف بنفسه
أنور ابن أنور - مراسل الحدود لشؤون السؤال عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم
٢٦ يوليو، ٢٠٢٣

عندما كنت جالساً في سوق الشورجة بجانب بائع اللبلبي*، وإذ بي ابتلى بحسوني ضاغطهم الذي ما أن رآني حتى جلس بجانبي وبدأ بطرح الأسئلة وأية أسئلة؟ أين هم المُغيَّبون؟ ولماذا هم مُغيبون؟ وإلى متى سيظلون مغيَّبين؟ أخبرته بأني لا أعرف ولست أنا من غيّبهم، لكن هل يتوقف حسوني عن طرح الأسئلة؟ هيهات؛ وراح يسأل بصوتٍ عالٍ كيف غُيِّبوا؟ وهل المغيَّب يُغَيَّب كاملاً أم كل قطعة منه تُغيَّب في مكان؟ استغفرت ربي وبقيت ساكتاً، ولكنه عندما بدأ يسأل عن الجهة التي غيَّبتهم… جاءت سيارة وأخذته وأخذتني ومعنا بائع اللبلبي في صندوق السيارة إلى مكان مجهول.
أستيقظت في غرفة مظلمة، وعرفت أن حسوني ضاغطهم بجانبي بسبب صوت أنينه وصراخه، ثم سألته متى ستتوب عن السؤال حول أشياء لا تخصك؟ لماذا تسأل عن المغيَّبين؟ ألا تُلاحظ أنك تعيش في بلد فيه أكثر من ٦٠ ميليشيا؟ أوليس الأجدر بك أن تسأل لماذا أصلاً هناك مواطنين لم يُغيّبوا حتى الآن؟ ألم تنتبه إلى أن كل شيء في هذا البلد يُغيَّب؟ أين الكهرباء؟ أين الماء؟ أين النفط والغاز؟ أين الآثار؟ أين الأنهار؟ أين صناع المحتوى؟ بالله عليك لماذا تعتقد أنك لن تُغيّب أيضاً؟
وبما أنني غُيِّبتُ الآن وليس لدي ما أخسره، قررت إخراج ورقة وقلم والإجابة عن سؤال "أين المغيَّبين؟" من خلال وضع عدة احتمالات -أرجو أن يبتسم لي الحظ وألقى إحداها- ومن ثم رمي الورقة في الهواء الطلق لعل رياحاً أو طيراً ما يحملها حتى تلقى من نافذة مكتب الحدود وتُنشر:
١- في قطاع الزراعة
نظراً لتراجع الزراعة في العراق، ارتأت الميليشيات مضاعفة المحاصيل من خلال زراعة البشر تحت الأرض، وسقايتهم ببراميل الماء المخصصة لنزع الاعترافات.
٢- في الدعاية الإنتخابية
ها هم المغيبون أحياءُ يرزقون وبأتم الصحة والعافية داخل الوعود المقدمة من الأحزاب السياسية التي تؤكد أنها ستكشف عن مصيرهم، إلا أنه حال فوز الأحزاب يعودون للاختفاء ومعهم تختفي الوعود والأحزاب وسريعاً تلحقهم ميزانية الدولة.
٣- تحت الأرض - Underground
تعمل الميلشيات جاهدة على النهوض بالعراق وتحمل على كتفيها هم الانتقال بالعراقيين إلى مصاف الدول الحديثة، لذا تستدعي المواطنين إلى استديوهاتها تحت الأرض وتعمل على أن تنسيهم رقصات الدبكة والجوبي القديمة وتدريبهم على فن الهيب هوب، حيث يرتدون ملابس فضفاضة بيضاء مخططة بالأسود ويهزون أجسادهم المقيدة بسلاسل كبيرة، فيما يستمعون إلى أصوات الـ Beat.
٤- في جُرف الصخر
مع ارتفاع درجات الحرارة، عملت الميليشيات على توسعة مثلث برمودا العراق حيث يختفي هناك كل شيء، حتى الضوء، بهدف الحفاظ على المواطنين، إذ يتم إغلاق عيونهم بإحكام وزجهم في مخازن مخصصة بعيداً عن أشعة الشمس، ما يحميهم من التعرض لضربتها، لكن مقابل تعرضهم لضربات أخرى.
*اللبلبي لغير العراقيين: حمص مسلوق وماء ورشة كركم كبيرة تطهى جميعها على نار متوسطة حصراً، حتى لا تحترق مثل أعصاب العراقيين وأحوالهم.
شعورك تجاه المقال؟
هل أعجبك هذا المقال؟
لكتابة العنوان، اقترح فريق من ٧ كتاب -على الأقل- ما يزيد عن ٣٠ عنواناً حول هذا الموضوع فقط، اختير منها ٥ نوقشوا بين الكتاب والمحررين، حتى انتقوا واحداً للعمل على تطويره أكثر. بعد ذلك، يسرد أحد الكتاب أفكاره في نص المقال بناء على العنوان، ثم يمحو معظمها ويبقي على المضحك منها وما يحوي رسالةً ما أو يطرح وجهة نظر جديدة. لدى انتهاء الكاتب من كل ذلك، يشطب المحرر ويعدل ويضيف الجمل والفقرات ثم يناقش مقترحاته مع الكاتب، وحين يتفقان، ينتقل النص إلى المدقق اللغوي تفادياً لوجود الهمزات في أماكن عشوائية. في الأثناء، يقص فريق المصممين ويلصق خمس صور ويدمجها في صورة واحدة. كل هذا العمل لإنتاج مقال واحد. إن ضم المزيد من الكتاب والمصممين إلى الفريق التحريري أمر مكلف، ويستغرق المتدرب وقتاً طويلاً لبناء الخبرات والاندماج في العقل الجمعي للفريق.لكن ما الهدف من ذلك كله؟ بالتأكيد أنَّ السخرية من المجانين الذين يتحكمون بحياتنا أمر مريح، لكنَّنا نؤمن أنَّ تعرية الهالات حولهم، وتسليط الضوء على جنونهم، خطوة ضدَّ سلطتهم تدفعنا شيئاً فشيئاً نحو التغيير.نحن نحتاج دعمك للاستمرار بتوسيع الفريق.