تغطية إخبارية، خبر

بيان من الحدود إلى الأردنيين بشأن حجبها في بلادهم

Loading...
صورة بيان من الحدود إلى الأردنيين بشأن حجبها في بلادهم

ما الذي تغير في الأردن بعد حجب الحدود؟ نسأل السلطات الأردنية، لكننا نسأل المواطنين والقرّاء من قبل ومن بعد.

الجواب: كل شيء طبعاً. استقام العوج. نوَّر العتم. الترهل تحوّل إلى رشاقة. تابت الخطيئة. آمنت الواسطة والمحسوبية بالمساواة في الفرص. فرطت الشللية. استيقظ النواب من سباتهم. رشدت الحكومة. عدل القضاء. تحسّن التعليم. تحسّنت الصحة. نبتت الأشجار وحل الربيع طوال العام بفضل التوجيهات. ازدهرت الصناعة. ازدهرت التجارة. ازدهر التصدير، المستثمرون ملؤوا الشوارع. تبخرت البطالة. تلاشى الانتحار من على الجسور. امتلأت جيوب الفقر وفاضت. امتلأت الخزينة الخاوية. ارتاح الطغاة إلى العتمة وإلى أن أحداً لا يراهم فاعتدلوا وعدلوا. أينعت الحياة الحزبية. نضجت التجربة الديمقراطية. سادت المؤسسات على المواطنين. ساد القانون سواداً.

كان لا بد من الحجب ليتحقق هذا كلّه.

فالأردن الحبيب كما الإمارات والسعودية، وكما مصر، وباكستان، وكما روسيا والصين، وكما سوريا وإيران وكوريا الشمالية، كان سبّاقاً في حجب المواقع ودرء خطر الحرية عن أراضيه، وإلا زاد الأحرار واشتد عودهم، وهؤلاء هم أعداء الدولة الحقيقيون، والساخرون أسوأهم. 

الساخرون هم من يتلاعبون بالمساحات، هم من يتجاوزون النص ويبدلون الأدوار، يتقافزون فوق الحواجز، يشعلون الأنوار، يقضّون المضاجع، يقلقون الضمائر النائمة، ويمدون ألسنتهم في وجه التجهم. يعتلون سقف الحرية يرقصون فوقه ويمارسون رذائل التعبير والاختلاف والمساءلة بصوت صاخب مرتفع. يميّعون بالضحك المستخف غير المنضبط هيبة الخطوط الحمراء.

ليت ما فعلته الحدود اقتصر على ذلك؛ فمقالاتها عن الأردن تواطأت، تآمرت، جهّلت، اختلست المال العام. شنت حملات اعتقالات سياسية. عذبت، خانت، باعت، احتكرت، أنشأت شركات في الملاذات الآمنة. نقلت الاقتصاد الوطني إلى حسابات بنوك وعقارات في بلاد الأجانب. عطّلت تحويل التحديات إلى فرص، وحوّلت الفرص إلى تحديات. أشعلت الإطارات وحاويات القمامة في أوتستراد التقدم والبناء والازدهار.

بعد كل ذلك، يتساءل المتسائلون: ما هي الكلمة التي قصمت ظهر البعير؟ ومن البعير الذي انقصم ظهره؟ لا نعلم حتى الآن. توقع الصحفيون أن يكون الحجب تبعاً لما نشرناه تحت عنوان "الحكومة الأردنية تطلق حملة 'إفرح يا كلب' بمناسبة زفاف ولي العهد" ليفرح المواطن الطفران، غيرهم رشّح مقال "الأردن يسلم الإمارات معارضاً مرفقاً معه فاتورة"، ووجد آخرون في هذه المقالات ما يستحق الحجب:

- الأردن: سنقمع أي تظاهر بما في ذلك تظاهر النظام بأنَّه ديمقراطي

- إردوغان وابن سلمان يوقعان اتفاقية لمكافحة الصحفيين

- شاب ارتدى جوارب ملوَّنة والآن صارت شخصيته مميزة

- إصابة مواطن رفع رأسه فاصطدم بسقف منخفض

السبب غير مهم، المهم تعلّم الدرس: الحرية سفالة. السخرية وقاحة. قلة أدب. قلة حياء. بَرادَة وجه. سماجة. فلسفة. عقوقٌ بالأب يجبره على التخلي عن ثقافة التسامح وتبني ثقافة الإلغاء، وعقد محاكم تفتيش عسكرية تزج العاقين والمشكوك بأمرهم في أقبيتها وتضبط المقالات والمواد المتفلتة المنتشرة عبر المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، وتغرز رقيباً داخلياً ودائرة مطبوعات ونشر في وعي مواطن وكاتب، لتحصل على سخرية تراعي الرؤيا، وتمثّل المزاج الرسمي العالي. سخرية ولا السخرية، دركية مطيعة في خدمة الوالي. سخرية بلا فوضى ولا شغب، ولا نكتة ولا مواطن، ولا قرّاء. سخرية معلبة جاهزة للرمي قبل الاستهلاك.

مع أنه ليس عادلاً ولا يقارب الصواب وصف السلطات الأردنية وسائر سلطات المنطقة بالفاشية أو النازية، إلا أننا نستذكر في مقام الحجب حكماء النازيين ومريديهم حين أضرموا عام ١٩٣٣ ناراً هائلة بآلاف الكتب لتطهير الوعي الألماني. يا للجمال. مشهد مهيب رائع لجحافل من الرعايا الغيورين على أوطانهم يحجبون الفكر والكلمات غير اللازمة في ألسنة اللهب. فطوبى للمخبرين، طوبى لكتبة التقارير، طوبى للجدران والشوارع والأرصفة بآذان وعيون، لكن الأهم طوبى للمسؤول الذي لم يقرأ لكنه فهم، لم يفهم لكنه عرف، لم يعرف لكنه غضب فشجب فحجب.

الآن، بات على كل أردني وغير أردني في المملكة إدراك أنه من الرعايا، والرعايا لا يشتركون بخدمة الإنترنت، بل يحصلون على اشتراك لمتابعة المواقع المناسبة. وماذا لو منحك الراعي الإنترنت كاملاً إلا الحدود، خذه كله والعب والهُ في كل البساتين، ولكن إياك إياك إياك هذه الروضة، إنها لا تناسبك. ما الضير في ذلك؟ 

لذا، والتزاماً بروح خل القانون، يُحظر عليكم أيها الرعايا استخدام متصفح "تور" أو "إكسبرس في بي إن" أو "نورد في بي إن" لمتابعتنا، وإن تعثرت الأدوات السابقة، يُحظر عليكم أيضاً استخدام"سايفون" و"آوتلاين"؛ وأصلا يُحظر عليكم الضحك دون تصاريح رسمية بطوابع وأختام وتواقيع من السلطات المختصة باللغة والمعاني والمجازات والألوان والأحلام.

لا ينطبق هذا على الأردنيين فحسب، العرب عموماً رعايا، يحظر عليهم ويُحظَرون هم أنفسهم، ولو ذهب العربي إلى آخر مجاهل الأرض ليلتقط أنفاسه، يبقى عربياً يحظر عليه النَفَس دون إذن، ولو كانت الحدود موقعاً عربياً مسجّلاً في بريطانيا، يحظر عليها النفس أيضاً. أما الأجانب، فهم تاج الرأس، أولي الأمر، رعاة الراعي العربي، يحبّهم، يتنطط فرحاً يهز ذيله بحضورهم، يحظر على نفسه النَفَس دون رضاهم، ويقبل منهم أي شيء حتى لو نظرة اشمئزاز، يغض بصره وينخرس ولو لعب إعلامهم بمواضيعه الحساسة وفضحه أمام رعيته، فهو لم يحجب بي بي سي عربي مع أنها نشرت عن المظاهرات في الأردن وحجب تطبيق تيك توك والاعتقال السياسي ونقابة المعلمين التي يكره المسؤولون سماع اسمها، وكتبت كيف يدفع الأردن ثمن الماء لإسرائيل

ولم يحجب فرانس ٢٤ التي تحدثت عن الزواج الملكي في ظل الأوضاع الاقتصادية، وتضييق السلطات الأردنية على عمل الصحفيين والاحتجاجات على ارتفاع الأسعار، ولم يحجب سي إن إن بالعربية حين فضحت تصويت البرلمان الأردني على رفض رئاسة الملك عبدالله لمجلس الأمن الوطني، ولم يحجب أيضاً مؤسسة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" حين اتهمت الأردن بشن حملة الهجمات الخارجية على النشطاء السلميين في المنفى؛ ولم يجد تحريضاً على النظام في تقرير واشنطن بوست "فيما تعاني بلاده، ملك الأردن ينفق سرّاً ببذخ".

الوضع مثير للقلق، لم يعد في هذا الشأن تحديداً ودوناً عن باقي الشؤون المثيرة للقلق مجال لغض البصر، فالمواطنون ما زالوا عرضة بشكل يومي لهذه المواد وغيرها الكثير الكثير من المواد المماثلة، وحتى إن شُيّدت جدران الحجب في الداخل وحالت دون أن يعرف الأردنيون ماذا ومن ومتى وأين ولماذا وكيف؛ فالأردنيون في بلاد الغربة سيعرفونها، والمغتربون غير الأردنيين سيعرفونها، والمواطنون والمسؤولون في الدول الشقيقة والصديقة والعدوة سيعرفونها أيضاً، ومن الوارد أن يتواصلوا مع الأردنيين داخل الأردن ويخبروهم عنها؛ وقد تعتقد بريطانيا مثلاً أن الأردن لا يحبها بل يخاف منها، وأنه طرطور عاجز عن الرد، فتجعله كما هو حال النظام السوري ملطشة في الإعلام.

 فمتى يبدأ الأردن بتنظيم الصحافة العالمية؟ 

ملاحظة: يترجم البيان للإنجليزية لأولئك الذين لا يفهمون الكلام العربي

شعورك تجاه المقال؟