الحدود بزنس ريڤيو: أربع طرق لدمج حياة التقاعد مع العمل
فتحي العترماني - مراسل الحدود لشؤون البعد عن العمل
٠٧ مارس، ٢٠٢٣
منذ سماعه عبارة "نحن هنا في الشركة كعائلة" من مديره في مقابلة العمل، أدرك الموظف كامل محاسن أن حلمه بالتقاعد قد تحقق، فجلب شبشباً لارتدائه لحظة وصوله المكتب، واستعار وسادة من الكنبة في غرفة الاجتماعات ليريح مؤخرته، ونظم أدراج مكتبه بتخصيص الأول لمرطبانات المربى والزيتون والمكدوس والثاني للمعلبات الجافة والثالث لعلب الشاي والزهورات والبابونج وأوراق العمل التي يفرشها على المكتب أثناء تناول الطعام منعاً لاتساخه.
ومع أن مسؤولة الموارد البشرية لا تفوّت فرصةً للتعبير عن ندمها على اللحظة التي جلبته بها إلى مقابلة العمل -تماماً كأمه- ورغم علمه أن مديره يشعر بخيبة الأمل منه -تماما كأبيه- لا يظهر كامل أي نوع من الاكتراث، لإدراكه أن العائلة هي المؤسسة الوحيدة التي لا تدير ظهرها لابنها مهما بلغ من السوء، وإن مرت بيومٍ سيئ يشوبه الخلاف، سيليه يومٌ مؤسف يتخلله الجدال، ويومٌ حزين يملؤه العنف، وربما يأتي يومٌ يتآزر فيه الأفراد مع بعضهم البعض، لتعود بعدها الأيام المرّة، وهكذا.
الحدود بزنس ريفيو زارت كاملاً في مكتبه، حيث تفضل بالاستيقاظ واستقبالنا وتقديم بزر دوار القمر لنا وشرح فلسفته تجاه العمل، دون أن يغفل تقديم الطرق الأربع طرق التي طورها للوصول إلى تقاعد وظيفي مريح، يأمل أن نتنعم به جميعاً.
التحكم بوقت الفراغ
التجأ الشاب كامل إلى قاعدة "١/٣/٣/١"، فخصص الساعة الأولى من الدوام لشرب القهوة والتحديق بجفاء وصمت في وجه الجميع، ومن ثم خصص الساعات الثلاث التالية لاختلاق المشاكل مع الفريق التقني بشأن بَغز "مايكروسوفت تيمز" تليها ثلاث ساعات يقطع فيها الإنترنت عن كمبيوتره لتحطيم الأرقام القياسية في لعبة الديناصور الذي يقفز فوق الصبار على كروم، بينما تُترك الساعة الأخيرة لتأمل الساعة والخروج ذهنياً من أجواء العمل وخوض الجدل مع مديره حول جدوى العمل قبل انتهاء الدوام بساعة، خصوصاً أنها بالكاد تكفي لإعداد كأس من الشاي وتشغيل الكمبيوتر مجدداً.
تعلم توفير النفقات
يؤمن كامل أن العناية بالنفس ضرورة وليس أنانية. لذا، حين يقرر الزملاء طلب الطعام من الخارج يحرص على طلب الستيك أوالدجاج المحشو بالكاجو، لكنه يؤمن أيضاً بأهمية الادخار، فيحرص على خفض نفقات الأطعمة والحلويات، ويوزعها بالتناوب على زملائه، متغاضياً بذلك عن تفضيله الشخصي للشاي بالنعناع من يدي زميله المهذب صبحي ورغبته في أن يعده ويحضر الطعام كل يوم.
الحاجة لنشر الخبرات
كامل شخصٌ معطاء، يؤمن بأهمية نقل المعرفة وتداولها، وعليه، يستغل أوقات فراغه في جمع زملائه وسرد كيف راكم الخبرات في وظيفته السابقة التي تمتع فيها بزملاء حقيقيين أكفياء وأفضل من زملائه الحاليين -الذين جمعهم ليسرد قصته -بألف مرة، ويأمل من خلال ذلك تحفيزهم ليستزيدوا مما لديه وأن يطوروا من أنفسهم.
لكنه يتفهم أنهم لن يصلوا إلى ما وصل إليه بأنفسهم، فيأخذ بيد زميلته ميساء كل يوم في رحلة كيفية تسجيل الدخول إلى "جيميل" وتعلّم التفريق بين البريد الوارد والبريد الصادر، كما يساعد صبحي في تنظيم نفقاته المالية ويوفر مبلغا ثابتاً يستدينه منه كل شهر.
العناية الروحية
اعتنق كامل ثقافة المينيماليزم، وبات يكفيه أن يؤدي الزملاء المهام التي تكفي لنجاة الشركة دون الحاجة للتطوير أو الابتكار، وعليه أصبح يصب تركيزه على الروحانيات بشكلٍ أكبر، فيحرص على اقتطاع ساعة كل بضع ساعات لأداء الصلاة في المسجد من السُنّة والوتر وتحية المسجد وقراءة ما تيسّر من القرآن الكريم، وإن لم يتمكن من الذهاب إليه يكتفي بالوضوء في حمّام المكتب ويرشّ أرضه بالماء ثم يتجول فيه قليلاً حتى يتأكد من امتلاء ثقوب شبشبه بالماء ليفرغها في ممرات الشركة ويمسحها عامل التنظيف محافظا بذلك على نظافة المكان.
رأي الخبراء
يوضح كامل أن قرار تقاعد الوظيفي لم يأتِ بسبب العلاقات العائلية في شركته فحسب، فالخبراء يؤكدون أن سوق العمل بعد كورونا قد تغير للأبد، وعلى الموظفين والمدراء التعامل مع "النيو نورمال" وهو يتفق مع ذلك ويؤكد عليه. فبعد أن ذاق حلاوة التقاعد خلال الجائحة ولذة قضاء وقت العمل بالبوكسر والحصول على راتب نهاية كل شهر لقاء جهدٍ يسير، قرر أخذ زمام المبادرة واستكمال التقاعد الذي بدأه منذ ثلاث سنوات، قاطعاً الوقت كالسيف قبل أن يقطعه.