قصة كفاح: هكذا حضرنا اجتماع العقبة وأكلنا الضيافة والتقطنا صوراً رغماً عن أنف إسرائيل
بقلم: حسين الشيخ - مناضل المفاوضات
٢٨ فبراير، ٢٠٢٣
يسألونكم عن اجتماع العقبة؟ لماذا يسألونكم؟ من أنتم؟ اسألوني أنا، فما زلت حتى اللحظة منهكاً من التعب، أنقع قدميّ في المياه الساخنة والملح بعدما تورمتا من عناء السفر وارتداء الحذاء الرسمي طيلة ساعات الاجتماع، كما أخشى أن تكون شمس العقبة الحارقة قد ضربتني فيما لم يوزع علينا الجانب الأردني أي كريمات أو مراهم -ذكرت هذا الأمر في تقييم الضيافة-، لكن لا يهم، ومعزتكم لديّ لا يهم، فذلك جزء يسير من رحلة شاقة نذرتها لأرى الشعب الفلسطيني شعباً حراً يعيش حريته بعيداً عن إسرائيل، أبعد ما يمكن عنها.
أيها الفلسطينيون! تمنت إسرائيل أن لا يحضر أحد من الجانب الفلسطيني، حتى تنفرد بوضع الشروط والطلبات، وتحرجنا أمام الأميركان والأردنيين والمصريين دون تنسيق معنا، لكننا حضرنا رغماً عن أنفها، لنقول لها، للمرة الألف، أنه حيث تكون إسرائيل تكون السلطة الفلسطينية، وحيث يكون مسؤول إسرائيلي يجلس على طاولة المفاوضات يكون حسين الشيخ له بالمرصاد، يجلس قبالته وجهاً لوجه.
لذا لا بدّ أن أزف إلى الشعب الفلسطيني نجاحنا في حجز معقدنا في اجتماع العقبة رغم كل الصعوبات التي واجهتنا من جلوس طويل على كراسي ضيقة على مؤخراتنا، وتبادلٍ للابتسامات الباردة مع الوفد الإسرائيلي طوال ساعات دون أن ننقضَّ عليهم ونحطّم ضلوعهم من شدة الشوق، ياه كم هو أمر صعب يحتاج برودة أعصاب وقلباً ميتاً وجسارة تفوق بمراحل ما تحتاجه العمليات الفدائية.
في الحقيقة يؤلمني أن اجتماع العقبة لم يكن مغطى صحفياً، لكنني أتفهم خوف الإسرائيليين من ذلك، وضمانهم أن لا تتسرب صورنا للرأي العام ويرى كيف أحرجنا الوفد الإسرائيلي وقلبنا الطاولة عليه رافضين تنسيق ذهابنا سويةً لتناول الطعام، مصرين على الذهاب كوفد فلسطيني موحد في إجراء أحادي مقاوم وواضح للجميع، كيف ألقينا بأنفسنا نحو البوفيه المفتوح واشتبكنا معه على مسافة صفر أمام أعين الصهاينة الذين أرهقتهم حنكة زميلي ماجد فرج المخابراتية عندما أطلق تنهيدة وهو يأكل من الطعام نكاية بهم قائلاً: يا سلاااااام ما ألذ الطعام"، ليدركوا أنهم مهما حاولوا، لن يكون أمامهم سوى الرضوخ إلى واقع وجودنا معهم في الفندق.
في النهاية كونوا على ثقة أن السعار الذي أصاب المستوطنين ونزولهم شوارع نابلس وإحراق ممتلكات الفلسطينيين ليس سوى محاولة بائسة للضغط علينا للتراجع عما قررناه في العقبة، لكنهم خسئوا، فوالله لن نفرط بنقطة حبر واحدة كُتبت هناك، فهذا الاجتماع افتتاحية فصلٍ مجيد في كتاب نضالنا ضد إسرائيل، واستمرار لفصولٍ مشرّفة بدأت في أوسلو ومرّت في شرم الشيخ والقاهرة، عززها التنسيق الأمني وأبو مازن، وأعدكم أن النضال سيصل ذروته حالما يستلم زمام الأمور رجل خبير بالكفاح ضد إسرائيل على مختلف المنابر، وإن غداً لناظره قريب.