هل من المنطقي أن يكون الناس أحراراً وقد ولدتهم أمهاتهم رغماً عن أنوفهم؟

"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟" عبارةٌ صدح بها ملك الحدود السيد أبو صطيف بكر علي أحمد اللوز في وجه الزميل خميس عندما طلب الأخير من الأستاذ ممدوح بكر علي أحمد اللوز بفوقيّة واستعلاء الكفّ عن ضربه على رقبته كلما مرّ بجانبه، وأمرني بالتخلي عن كافة مهام التحرير والتسويق والتصميم الغرافيكي الموكلة إليّ اليوم والتفرغ لكتابة مقالٍ تفصيلي في فضيلة هذه المقولة ليؤكد لجميع القراء أن الناس أحرار وقدمه فوق رؤوسهم إن لم يعجبهم.

قطعت استراحة الغداء خشية أن يحلّ بي ما حلّ بخميس، ورحت أبحث عن أصل المقولة وتاريخ حريتنا نحن البشر. لكنني وجدت نفسي أتساءل، من ضحك علينا وابتكر مفهوم الحرية؟ أليست الحرية دخيلةً على طبيعتنا البشرية؟ هل من المنطقي أن يقال لي إنني ولدت حراً ولم أختر اسم فتحي؟ ولا الآخرين الذين سأكرههم طيلة حياتي لأنهم آخرون؟ هل استُشرت حول رغبتي بحياةٍ أعمل بها لأستطيع سداد تكاليف المواصلات التي أتنقل بها من وإلى العمل؟ متى حرّرنا الناس وقد ولدتهم أمهاتهم رغماً عن أنوفهم؟

للإجابة على هذه التساؤلات، استعنت بالأستاذ رمزي أبو طيشة، الباحث في شؤون المعضلات الحرّة، والذي رأى بدوره أن الإجابة تعتمد على تعريفنا لـ "الناس" بالمقام الأول "يتدرج نصيب الفرد من الحرية بحسب لون بشرته أو حجم رصيده البنكي أو شكل عضوه التناسلي أو كمية التقوى في وجهه أو مكانة دائرته المحيطة في المجتمع والمناصب التي يشغلونها، وكلّ بحسب المعيار الذي تُجبل على حرية اختياره في نهاية المطاف".

يشرح الأستاذ أبو طيشة كيف أن جوهر الإنسان بذاته لم يكن ليوجد لولا انعدام الحرية "والدك لم يتزوج ابنة خاله بمحض إرادته، وهل تعلم ما كانت أولوياته التي لم يستطع تقديمها على رغبة والدته برؤية الصبي الذي سيحمل اسمه؟ وحتى في تلك الليلة، لم يمتلك حرية تحديد الوقت الذي سيقذف به. حمضك النووي بعد ذلك لم يستشرك عندما أخذ المورّثات المسؤولة عن العيون المجوفة من والدتك والصلع من والدك، ولم تُمنح بعدها حرية اختيار القائد الذي تودّ دراسة إنجازاته خلال سنين الدراسة".

يؤكد الأستاذ أبو طيشة على فكرة أن الإنسان يخسر حريته لحظة قرار والديه الاستفادة من حرية إنجابه، وإن استعادها كلياً، أو جزئياً، بحسب أحد المعايير السابقة، فإنها ستنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، الذين تنتهي حريتهم كذلك عندما تبدأ حريتك، وهكذا يبقى الجميع في حلقة تبادل حريات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أو يحكمهم محمد بن سلمان.