إشارة ضوئية تبقى خضراء رغم اقتراب سيارتك منها
حمزة مداويكي - رادار الحدود
٢٣ نوفمبر، ٢٠٢٢
لم تعد الإشارة الضوئية وسيلة لتنظيم عبورك الشارع فحسب، إنما إشارة سماوية لك، تتيح لحضرتك معرفة كيف سيسير يومك، وهي خير دليل على أنك نحس ووجهك نحس وتفكيرك نحس بنحس، إذ كم مرةً رأيتَ الإشارة خضراء مشرعةً أمامك الطريق ولحظة اقترابك منها باغتتك وقفزتْ مباشرة إلى اللون الأحمر لتبدأ في الشتم ولعن نفسك والحظ والدولة، ولتجتاحك نوبات القلق وتبدأ بالنظر إلى الإشارة وقراءة التعاويذ والأدعية راجياً أن تتحوّل إلى خضراء قبل غرقك في كوابيس اليقظة وهلوساتها.
لا بد أنك، حين ذهبتَ لاقتناء سيارة، لم تسعك الفرحة، ولم يخطر على بالك أنك ستمر في هذه المحنة النفسية، وأن الدولة ستأخذ منك ضريبة فرحك أضعافاً، بحُفر ومطبات وتضاريس وتلال وأودية شوارعية أعدّتها لإخافتك والاعتداء على سيارتك وجعلك تقفز في كرسيك من السخط والألم، فضلاً عن أزمات سير معدّة بشكل خاص لخنقك. وبالتأكيد لم يخطر في بالك أنك إن تجاوزت كل هذا فإنك في النهاية سوف تسقط أمام إشارة مرورية تتحكم بحركتك وسلامتك النفسية ومقدار الخصم في راتبك وتوبيخ زوجتك لك على تأخّرك عن العودة إلى المنزل.
يبدو أنك تخليتَ عن الأمل، وسلّمت بأن الإشارة الخضراء لحظة وصولك إليها حلم غير واقعي ومستبعد مثل الخِل الوفي والغول والشارع النظيف والعنقاء. نحن في الحدود؛ ننصحك حين اقترابك من الإشارة الضوئية أن تخفف سرعتك وتجهّز هاتفك لتبدأ بالعبث به، أو تبدأ بمسح فتحات المكيّف بإصبعك أو تشمّ المعطّر الذي في السيارة، أو بإمكانك تعلم الخياطة وشك الخرز ريثما يهونها الله عليك وتنقضي محكوميتك على قارعة الطريق.
لا تجزع ولا تمرض فأنت سائق مبتلى، كن متأكداً أن اليوم الموعود سيأتي عندما تنفكّ اللعنة، وتموت جميع الإشارات الحمراء وتبقى الإشارة خضراء تنتظرك بمفردها لدى اقترابك منها، لتضغط دواسة البنزين منتزعاً حريتك بكل فرح وتجتازها ظانّاً أن الدنيا ضحكت لك وحققت لك واحدةً من أمانيك السخيفة، قبل أن ينقض عليك شرطي السير من خلف الشجرة ويحرر لك مخالفة سرعة بسبب حماسك، وأخرى بسبب عدم ارتدائك حزام الأمان، وواحدة إضافية لأن وجهك المبتسم لم يناسب مزاجه.