لبنان يثبت مرة أخرى أنه من المبالغة تسمية ما حدث في الطائف "اتفاق"
إيليا علي عكراتي - مراسل الحدود لشؤون دعابات التاريخ
٢٦ أكتوبر، ٢٠٢٢
مع فشل مجلس النواب اللبناني للمرة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، في انتخاب خليفة لرئيس العهد القوي الآيل للسقوط الذي تكاد تنتهي صلاحيته ميشال عون، ومع اقتراب لبنان من دخول المرحلة الانتقالية المعتادة بين الرئاسات حيث يتربع الفراغ على سدة الرئاسة لمدة غير محددة، يتبادر إلى ذهن أي متابع للشأن اللبناني سؤال ساذج غير مشروع: ألم يتفق الساسة اللبنانيون على التوافق منذ أكثر من ثلاثين عاماً؟
ألم يتصافحوا ويتبادلوا القبلات أمام كاميرات التلفزة؟ يوم شدّت السعودية النواب اللبنانيين من آذانهم وحبستهم في قصر كبير وقطعت عنهم أي اتصالات بأي سفارات أو جهات خارجية عدا الكاميرات الموصولة بالاستخبارات السورية، لماذا لم تنصلح أحوال لبنان بعد هذا الاتفاق؟
إشكالية التساؤلات أعلاه أنّها مبنية على مغالطة منطقية سنحاول تالياً تفنيدها، لنثبت للقارئ البسيط أن تسمية ما حدث في الطائف بـ "الاتفاق" ليس إلا مبالغة إعلامية وتضخيماً لواقع يمكن تسميته بأفضل الأحوال بجمعة الوجوه الطيبة أو ليالي الوناسة في الطائف.
اعرف الكذبة من كبر حجمها
نحيطك علماً عزيزي القارئ أن "اتفاق" الطائف هو اسم الدلع المتداول لما يُعرف رسمياً بـ "وثيقة التوافق الوطني اللبناني"، ومن تتالي هذه الكلمات وراء بعضها ندرك حجم الكذبة، فلو سمي بالتوافق الدولي السعودي السوري على إدارة شؤون لبنان، لكان اتفاقاً شفافاً متيناً، ولاستطاعت الأحزاب اللبنانية بموجبه مطالبة جامعة الدول العربية أو مجلس حقوق الإنسان أو الأمم المتحدة أو مجلس الأمن بخلق ظروف مناسبة لظروف تلك المرحلة، حتى يتفق السعوديون والسوريون مرة أخرى أو يتسنى لهم مراجعة بنوده والإسهام في ازدهار السلام بين الأحزاب اللبنانية عند نشوب خلافاتهم ثانيةً صبيحة اليوم التالي.
"الاتفاق" الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان
تجري على ألسنة الصحفيين والمؤرخين والعامة مقولة خاطئة تدّعي أن "اتفاق" الطائف هو من أجبر السياسيين اللبنانيين على دوس الفرامل والتوقف عن فرم بعضهم البعض، غافلين عن الإنهاك الذي كان يشعر به الزعماء اللبنانيون آنذاك جراء جهودهم في الحرب، وحاجتهم للتقاعد وشرب الويسكي وتدخين السيجار والتنعم بالمعاشات التقاعدية التي وزعها عليهم المندوب السعودي رفيق الحريري كي يستكينوا ويستعيضوا عن الحرب العسكرية الأهلية بحروب سياسية أهلية بين السياسيين وذويهم وأنصارهم، تخللتها بعض المناوشات العسكرية البسيطة مثل ٧ أيار عام ٢٠٠٨ حيث استعاد الفرقاء الأيام الخوالي .
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
رغم أن "اتفاق" الطائف أعاد توزيع الحصص الطائفية داخل مؤسسات الدولة في لبنان فأخذ من تلك وأعطى ذاك، ثم أخذ من ذاك وأعطى أولئك، إلا أنه نصَّ أيضاً على إلغاء الطائفية السياسية، وهو ما أوقع السياسيين اللبنانين في ورطة؛ بين إلغاء الحصص التي أقرها الطائف انصياعاً لبند إلغاء الطائفية السياسية وخلافاً لاتفاق الطائف الذي أقرها، أو الإبقاء على الحصص الطائفية التي أقرها الطائف وخلافاً لتحديده إلغاء الطائفية السياسية في لبنان، فكان الاتفاق على إبقاء الطائفية السياسية وتجربتها لحين اهترائها، بما أن "الاتفاق" لم يحدد موعداً رسمياً في الساعة والدقيقة والثانية لإلغائها.