تعليق ساعة حائط في غرفة الجلوس: أسباب وتداعيات
مركز الحدود لدراسات وأبحاث علم النفس السلوكي الاجتماعي غير المتطور بعد
٠١ أغسطس، ٢٠٢٢
واحد من بين كل مئة وثلاثة وعشرين مواطناً عربياً يعلّق ساعة حائط في غرفة الجلوس! لماذا؟ ما الذي يحفز سلوكاً كهذا؟ هذا ما تحاول الدراسة التالية الإجابة عنه.
مُقدمة
"لماذا" سؤال ضخم لا يُمكننا الإجابة عنه قبل الدخول في حيثيات حياة أولئك الذين يُعلقون ساعة حائط في غرفة الجلوس (أ.ذ.يُ.س.ح.ف.غ.ج)، ولا يمكن لأي دراسة الادعاء بوجود سبب واحد يدفع البشر إلى تعليق ساعة حائط في غرفة الجلوس، إلّا أنّ البيانات التي جمعها باحثو الحدود من خلال زيارات ميدانية لمنازل (أ.ذ.يُ.س.ح.ف.غ.ج) ساعدتنا في قراءة الحالة المادية/ الاجتماعية/ النفسية لـ (أ.ذ.يُ.س.ح.ف.غ.ج)، وتقسيمهم إلى فئات لإيجاد الروابط والاختلافات بينهم ومن ثمّ حصر الأسباب وفق هذه الفئات.
الحائط: ثلاثة أنماط
لدى الكشف الميداني، قسّم باحثونا المنازل التي تتضمن ساعة حائط إلى ثلاث فئات، وذلك بحسب نمط غرفة الجلوس فيها، أو بشكل أدق بحسب الحائط الذي يتضمن ساعة في غرفة الجلوس فيها، إلى التالي:
الفئة الأولى: منازل أبو طلال، أم سعيد، الحاجة فتحية، أبو فريد، آل المناكيد، ودار أبو حمودة
لوحظ في غرف الجلوس نمط متكرر بوجود أشياء غير مفهومة على ذات الحائط الذي يتضمن ساعة، مثل: لوحة لأحصنة عشوائية تركض في مرج، حبّل مُلوّن ومزكرش بهلال ونجمة من رمضان قبل الفائت، صور عائلية، شهادة تقدير من الصف السابع، عشرات الثقوب في الحائط دُقّت فيها براغي ومسامير لتثبيت رفوف صغيرة وضع عليها المزيد من الأحصنة والأسود والشموع والعُملات ولوحات المعوّذات وتماثيل السيد المسيح ودلة قهوة بجانب فنجان وبطاقة عرس من عام ١٩٩٩ وساعة حائط.
الفئة الثانية: منازل خالد&أماني، سندس&ابتهال، ودلال&محمد
تتميز حوائط هذه المنازل بطابع أصلع، إذ لم نلحظ عليها سوى ساعة الحائط موضوعة فوق مسمار قديم لساعة قديمة عاشت على الحائط في غابر الزمان قبل اختراع الموبايلات والشاشات الذكية. وتنقسم الساعات المُعلقة في هذه المنازل إلى ساعات مُذهبّة هدية من الأقارب، أو بيضاء رُسم عليها شعار معجون أسنان هدية من الشركات، وفي ١٠٠% من الحالات التي رصدناها لم تكن متّسقةً مع ديكور وألوان الغرفة.
الفئة الثالثة: استوديوهات توفيق، ثائر، سماح، ميسون، وصبحي
لا نستطيع التأكيد إن كانت ساعة الحائط في المنازل المذكورة مُعلّقة في غرفة الجلوس وذلك لعدم التأكّد من تضمّن هذه "المنازل" غرفة "جلوس"، لكنّه الحيّز الجغرافي الذي يستقبلون فيه ضيوفهم ويتابعون المسلسلات ويستلقون ويعملون ويعدّون الطعام ويأكلونه وينامون وهو يبعد حوالي نصف متر عن الحيّز الذي يقضون فيه حاجتهم. لوحظ في هذا الحيّز الجغرافي أنّ الحائط الذي يتضمن ساعة خُطّت عليه أبيات شعر ونكات بذيئة وحِكم عشوائية، بالإضافة إلى تعليق صور جيفارا وماركيز ودوستويفسكي وريك ومورتي وروبي ومارلين مونرو وساعة حائط.
الساعة: أنماط متكررة
بعد البحث والاستقصاء والمقابلات والملاحظات وساعات العصف الذهني، وجد باحثونا الروابط التالية بين الفئات الثلاث، بحسب طبيعة ساعة الحائط المُعلّقة في غرف جلوسهم، رتبوها ضمن الجدول التالي:
الأسباب
الفئة الأولى: الإصابة بمتلازمة الذعر من الحائط الأبيض
وراء كل منزل من هذه المنازل أم/ أب/ جد/ جدة، يحرسون إرث العائلة من الضياع، عبر نثره عشوائياً في أرجاء المنزل ونفض الغبار عنه يومياً. يبدأ الهوس هذا بفرك دلة قهوة قديمة بالليمون ووضعها في غرفة الضيوف ولكنّه سرعان ما يتحول إلى رغبة جامحة في تعليق أي قصاصة ورق تعثّر بها أحد أفراد المنزل في يوم من الأيام على الحائط، ليتطور ويتحول إلى هوس قهري بسد الفراغات الموجودة في الحائط ورعب هستيري من الحائط الأبيض يُفضي إلى تعليق أي شيء عليه بما في ذلك الساعة، لتتراوح أسباب تعليق الساعة بين الرغبة في الحفاظ على تراث العائلة والحاجة لتغطية مكان المسامير والبراغي التي دُقّت على مدار السنين لتعليق تراث العائلة على الحائط.
الفئة الثانية: انعدام البدائل
يلاحظ أنّ هذه الفئة تتضمن شريكين انتقلا حديثاً للعيش معاً؛ فاستُنزِفت أموالهما على ثمن الثلاجة والغسالة والأثاث وجرة الغاز والإيجار والمكسرات والعصير والشوكلاته لاستقبال الضيوف، فلم يتبق مع أصحاب المنزل فلس لشراء لوحة نسخة وطنية عن الموناليزا تُعبّر عن تفرّد ذائقتهما الفنية وتعكس اتّقاد مشاعرهما، فاضطرا لتعليق الهدايا التي حصلوا عليها من الأقارب والأصدقاء والجوائز المجانية التي حصلوا عليها عند شراء الأدوات المنزلية.
الفئة الثالثة: لمَ لا؟
كل الشخصيات العظيمة تُعلّق أشياء على حوائط منازلها المهلهلة، ما يوحي بعمق شخصياتهم وغنى حياتهم اليومية بالأحداث وتمرّدهم على العرف السائد بإقرارهم أنّ حتى الساعة المتوقفة تكون صحيحةً مرتين في اليوم. الساعة هنا لا تختلف دلالتها عن زجاجة الويسكي الفارغة المُعلّقة بحبل قش في سقف الغرفة، أو تمثال بوذا الصغير الموجود على طاولة الطعام (المكتب). جميع هذه الأشياء تحكي قصة، قصة كفاح صاحب المنزل في سبيل الحصول عليها من أصحابه أو من محلات الخردة.
التداعيات
ما هي تداعيات تعليق ساعة حائط في غرفة الجلوس؟
وجود ساعة حائط معلّقة في غرفة الجلوس!!!