حنين جارف في المنطقة إلى زمن الأبيض والأسود الجميل
عواطف شنّكلي - مراسلة الحدود من عصر الظلمات
٢٥ يونيو، ٢٠٢٢

اجتاحت الشعوب العربية موجة حنين جارف إلى الزمن الجميل، حين كانت الحياة بسيطة ورائقة، أحادية الأبعاد، ثنائية الألوان، تكتسي باللونين الأبيض والأسود المحايدين، فيما تستتر ألوان الطيف في الخزانة دون أن تخدش حياء البالغين وتعبث في عقول أطفالهم لتفتح عيونهم على تنوّع الألوان وكثرة الخيارات واختلاف الأذواق في العالم.
ولأنّ الحكومات العربية خدّامة الأوادم تأبى أن يعتصر قلب شعوبها الحنين ولا تُحقق مطالبهم -سيما تلك التي تتقاطع مع مبادئها ومراجعها ومساعيها القمعية- أوصت بسحب كافة الألوان من الأسواق والمحال التجارية والملاهي ومراجيح الحدائق العامة وسحاسيلها، وكي تجتث الشر من جذوره، حظرت أي تداول لأقلام التلوين بكافة أشكالها سواء كانت خشبية أو مائية أو شمعية، وغيرت شكل أعلام الدول لتتكون من الأسود، الأبيض، والأسود القاتم، والرمادي المائل إلى البياض قليلاً.
وأشاد رئيس جمعية "اذبحوا الألوان" الثقافية، الشاب كُ.أُ. بقرار الحكومة، مؤكداً أنّ الألوان دخيلة على حياة المواطن العربي الرمادية "بذلت السلطات السياسية والاجتماعية في بلادنا حياة آلاف العرب سبيلاً لتثبيت طيفٍ لونيٍّ فاتنٍ يُميز ثقافتنا ويُحدّد عادات وتقاليد مجتمعنا اللونية؛ فماضينا أبيض كبياض الثلج، وحاضرنا أسود، ومستقبلنا رمادي يجمع اللونين، وأي لون آخر ليس إلا اختراقاً لنسيجنا المُتماسك وانحرافاً عن الفطرة السليمة التي خلقتنا السلطات -عزّت وجلّت- عليها".
وتابع كُ.أُ. "منحتنا الطبيعية اللون الأبيض الذي يشمل كافة درجات ألوان الطيف المرئي، فبادرت السلطة بتبني هذا اللون الشامل لتجنيب مواطنيها ضغط التعامل مع عدد كبير من الألوان يعجز العقل البشري المحدود عن استيعابها، وأهدتهم اللون الأسود الذي يُمثّل غياب الضوء ليتماشى مع حياتهم".
من جانبه، رفض الشاب ه.ه.ع. موجة الحنين المخادعة، مؤكداً أنّ الزمن الجميل وهم "الأسود والأبيض فيه مجرد قشور استترت وراءها مختلف درجات الألوان؛ فكان الناس يزورون البحر الأزرق ويجلسون على العشب الأخضر ويرتدون الملابس المثيرة الملونة ليتضاجعوا في منازل مُفعمة بالألوان، حتى أم كلثوم كانت تُغني بالأسود والأبيض ثمّ تعود للتسكع في بيتها المليء بالألوان. أنا لا أحن سوى للعصر الأسود الحديث حيث الراية السوداء التي رفعتها الدولة الإسلامية في العراق والشام".
شعورك تجاه المقال؟
هل أعجبك هذا المقال؟
لكتابة العنوان، اقترح فريق من ٧ كتاب -على الأقل- ما يزيد عن ٣٠ عنواناً حول هذا الموضوع فقط، اختير منها ٥ نوقشوا بين الكتاب والمحررين، حتى انتقوا واحداً للعمل على تطويره أكثر. بعد ذلك، يسرد أحد الكتاب أفكاره في نص المقال بناء على العنوان، ثم يمحو معظمها ويبقي على المضحك منها وما يحوي رسالةً ما أو يطرح وجهة نظر جديدة. لدى انتهاء الكاتب من كل ذلك، يشطب المحرر ويعدل ويضيف الجمل والفقرات ثم يناقش مقترحاته مع الكاتب، وحين يتفقان، ينتقل النص إلى المدقق اللغوي تفادياً لوجود الهمزات في أماكن عشوائية. في الأثناء، يقص فريق المصممين ويلصق خمس صور ويدمجها في صورة واحدة. كل هذا العمل لإنتاج مقال واحد. إن ضم المزيد من الكتاب والمصممين إلى الفريق التحريري أمر مكلف، ويستغرق المتدرب وقتاً طويلاً لبناء الخبرات والاندماج في العقل الجمعي للفريق.لكن ما الهدف من ذلك كله؟ بالتأكيد أنَّ السخرية من المجانين الذين يتحكمون بحياتنا أمر مريح، لكنَّنا نؤمن أنَّ تعرية الهالات حولهم، وتسليط الضوء على جنونهم، خطوة ضدَّ سلطتهم تدفعنا شيئاً فشيئاً نحو التغيير.نحن نحتاج دعمك للاستمرار بتوسيع الفريق.