الأقلام المأجورة في الانتخابات اللبنانية: تبادل أصابع الاتهام ثم حشوها بعين الناخب اللبناني
١٧ مايو، ٢٠٢٢
مع ارتفاع درجة الحرارة والرهانات في الأسبوع الثاني من رحلة شتاء وصيف الديمقر-طائفية اللبنانية، بدأت رائحة القمامة الصحفية تفوح من المنصات الإعلامية التي تطل على جمهورها بملحميات تحريضية وتراشق للأكاذيب، وتوجه أصابعها إلى وجوه الخصوم كاشفة عن خروقاتهم، بينما تربّت باليد الأُخرى على الحليف والصديق والممول لإخفاء الخروقات ذاتها، وتذهب خطوةً إضافية في منطق الحرب الأهلية لتعلن أنّ صديق صديقي عدوي وعدو عدوي عدوي وكل فصيل سياسي لم يدفع للمؤسسة بالدولار الطازج، عدوي.
نبدأ جولتنا الصحفية الأسبوعية من صحيفة الجمهورية المملوكة لعائلة آل المُرّ، والتي قرّرت بحسن نيّة وبمنتهى الموضوعية أن تنشر مقالات تفرفش القلب وتمدح، نعم حزرتم: آل المُر الكرام من أب وابن وجد؛ مُتدرجة بالتملّق من قائمة لإنجازات إلياس المُر، منسوخة عن مكان ما، إلى مقال آخر يُطري على ميشال المر الجد، البلطجي من الطراز الرفيع والمعروف بمخالفة القانون وتدمير البيئة ورشوة الناخبين والتلاعب بنتائج الانتخابات وتهديد سكان منطقة المتن والتحالف مع الوجود السوري العسكري في لبنان وقمع المواطنين، واصفاً الرجل برجل الدولة والإنماء، الاستثنائي، والطليعي أيضاً.
وإمعاناً ببوح الصحيفة بعشقها لهذه العائلة، تختتم سلسلة العواطف بنشر مقال يتصدى للمعارضة التي يواجهها ميشال المر الحفيد (رئيس مجلس إدارة الصحيفة منذ عام ٢٠١٨) في المتن، لتنعت المرشحين الجدد بـ "الباراشوت" الدخيل على المحاصصات السياسية للمنطقة لمحاولتهم الوقحة والصفيقة الترشّح وتجاوز نظام التوريث الذي أصبح تراثاً شعبياً للمنطقة.
لا نُنكر أنّ بارقة الأمل لمعت في عيوننا حين عثرنا على مقال لموقع نداء الوطن ينتقد التوريث السياسي في عائلة المُر، لكن يا فرحة ما تمت، فقد تبيّن أن المقال نُشر على خلفية مشاكل شخصية مع آل المُر حصراً، إذ لا يمانع الكاتب بقية التوريثات السياسية العريقة في الفضاء اللبناني من آل جنبلاط وآل جميّل، انطلاقاً من أنّ صفة الوريث تذكرة جاهزة لا لبس فيها للنيابة اللبنانية.
تستمر التسلية الصحفية، وهذه المرّة من طرابلس، حيث انفرد موقع أساس ميديا بتقريرين استقصائيين نكاد نجزم أنّهما نتيجة جلوس مراسل مع منظار أمام مكتب المرشح عمر حرفوش، ممزوجة بملاحظات طالب في الإعدادية عن الجغرافيا السياسية المناطقية، فمن غير المستبعد أن نرصد مقالين يناقضان بعضهما في الموقع؛ يتهم الأول حزب الله بتمويل عمر حرفوش بهدف تسخيف موقع رئاسة الحكومة وغزو طرابلس في تحليل يستند إلى تعليق حرفوش لافتات على طريق المطار (المحسوب على حزب الله)، إلّا أنّ الكاتب نفسه غيّر رأيه بعدما سمع ورأى شخصيات من تيار المستقبل تزور مكتب حرفوش في طرابلس، ما يعني، بالتأكيد، دون أدنى شك، أن تيار المستقبل يدعم عدّوه اللدود لأنّه متعطش لدولاراته. تضعنا هذه المقالات أمام مفترق طرق؛ إما أن كاتب موقع أساس ميديا منفتح على آراء جديدة وغير متمسك بشكل أعمى بافترضاته السابقة، أو أنّ سامر زريق يعاني -كالعديد من الصحفيين- من حالة مستعصية من الفصام الإعلامي.
وفي العودة إلى المناوشات اللبنانية الطبيعية المُعتادة جداً، انتهزت أبواق القوات اللبنانية الفرصة للهجوم على حزب الله لتثبت أنّ سلة قمامتها أنظف من تلك التي في حزب الله؛ فاتهمت جهات صحفية حزب الله وحليفه حزب "بيّ الكِل" بالرشاوى وتعبئة سيارات الناخبين بمادة البنزين وبأنهم سبب خراب البلد الوحيد، وهذا صحيح بالمناسبة، لكن يبدأ اجتزاء القمامة والتحريض الصحفي ضد سلة على أخرى عندما تتجاهل المقالات هذه دور القوات بالخروقات النيابية ذاتها؛ فهم أيضاً من ممارسي هواية المال الانتخابي، لكن المواقع الصحفية المحايدة للقوات لها وجهة نظر نسبية في تعريف المال السياسي.
بينما استكملت بعض المواقع عداءها وتحريضها المُمل المتوقع، توجه موقع نداء الوطن نحو التجديد والابتكار في إخراج القوات كالشعرة من عجين الفساد والدمار في لبنان، ففي أحد المقالات هاجم الكاتب التيار الوطني، واصفاً إياه بأنّه يخوض معركة حزب الله في الشمال، أمّا القوات اللبنانية، حسب تعبيرها، فهم يخوضون معركة الناخب، معركة الثقة، معركة الدفاع عن مارونية المقعد في طرابلس التي كادت أن تتلوث بترشح ماروني مزيف (الخارج عن مُلّة القوات)، ويكاد الدمع يترقرق في عين القارئ تأثراً بوداعة السياسيين المارونيين ويتطوع في صفوفهم بمعركة الحق على الباطل، لولا عدم تمتعه بنعمة نسيان الحرب الأهلية وتذكرّه لحقيقة أنّهم مجرمون وجزارون وقناصو حرب من الطراز الرفيع.
من عالم مواز، لم يكلف بعض الكُتاب أنفسهم عناء دخول لعبة تراشق أصابع الاتهام والشد والجذب، بل أظهروا التزامهم بكراهية التجديد والتغيير -مهما كان شكله- وتمسكهم بالثوابت المستقاة من اتفاق الطائف لخدمة ما يسمى بالتحالف السيادي، عبر مهاجمة المستقلين واتهامهم بأنهّم ليسوا مستقلين.
في الختام، إذا أعجبتكم هذه المواد وتريدون أن تضحكوا على الإعلام اللبناني أكثر؛ استمتعوا بهذا المقال -المدفوع غالباً- والذي يتغزّل فيه الكاتب بحضرة الشيخ بهاء الحريري وروحه الوطنية الغيورة على الأُمّة، غير مبالٍ بسقوطه تحت الظلال العائلية التي تحوم فوق رأسه كما تحوم أبراج والده فوق رؤوس أهل بيروت.