الأقلام المأجورة في شهر

الأقلام المأجورة في الانتخابات اللبنانية: حرية صحفية تتجاوز السماء، والحقائق والمعلومات

Loading...
صورة الأقلام المأجورة في الانتخابات اللبنانية: حرية صحفية تتجاوز السماء، والحقائق والمعلومات

في غمرة ترقب الانتخابات اللبنانية، العرس الديمقراطي الذي سيقلب المعادلة السياسية على رؤوس اللبنانيين ويدعم ازدهار قطاع الفساد ويحقق نموَّاً في سوق المحسوبية ونهضة سعر الوقود والقضاء على  الليرة، يبدو أنّ متابعة أداء السياسيين في هذه المسرحية أصبحت غير مجدية، خلافاً لمراقبة إنجازات الصحفيين الأكثر كفاءة في أداء عملهم، هؤلاء الأوفياء الذين يخدمون القرّاء والأحزاب وأجندات الممولين بتفانٍ وإخلاص يتجاوز قدرة أي نائب على خدمة الشعب أو إحدى طوائفه. 

تتميّز الصحافة اللبنانية بأنّها حُرّة قادرة على تقديم آراء ووجهات نظر متنوعة تترفع عن الحقائق والمعلومات؛ فبينما يخبرنا موقع "النشرة" أن الحريري حسم أمره بعدم التصويت للقوات اللبنانية، يؤكد موقع "ليبانون فايلز" أن السعودية قد تنجح في الضغط على الحريري ذاته للتصويت للقوات ذاتها، أما "الأخبار" فترى أن الحريري سينصاع إلى ضغط السعودية ويدفع تيار المستقبل للاقتراع لصالح لائحة السنيورة. ولأنّ اختلاف التوجهات لا يمنع الصحافة من التوافق على أبجديات العمل الصحفي، نلاحظ اتفاق هذه الصحف جميعها على تجاهل تصريح منسق الإعلام في تيار المستقبل والذي يؤكد التزام التيار بمقاطعة الانتخابات من أساسها.

والتزاماً بنهج عدم التحقق من المعلومات أو البحث عنها، اخترعت "الأخبار" مصادر تمويل خارجية لإحدى الجمعيات المتحالفة مع سعد الحريري، كما اخترعت لها مرشحاً ضمن إحدى القوائم أيضاً. كما ابتكرت مبرراتها الخاصة لانسحاب "بيروت مدينتي" من إحدى الدوائر، عملاً بمبدأ الصحيفة الراسخ، القائم على أنّ كل لائحة معارضة ممولة من الخارج وبالتالي لعنة الله عليها.

إن جوّ القلق العام الذي خلقته الانتخابات عند الصحفيين لا يقتصر على تشجيع روح المجازفة والتصالح مع الأخطاء فحسب، بل يساهم في خلق بيئة صحيّة للتحليل وابتكار الفرضيات وإثباتها لتصبح نظريات، هذه البيئة ساعدت الكاتب منير الربيع في إثراء محتوى "المدن" بثلاثية مميزة يشرّح فيها حزب الله؛ ليقول للقارئ تارة إن الحزب سيطيح بالانتخابات، ويؤكد  تارة أخرى أنه سيسمح بالانتخابات ثم يطيح بالبلاد -على اعتبار إمكانية الإطاحة بها أكثر- ويحوّلها إلى "عراق" آخر، ثمّ يختار التخصيص والتنغيص على القارئ المسيحي دون غيره وإجباره على الاختيار بين اثنين: السعودية أو إيران، لا ثالث لهما سوى أن يضرب رأسه بالحائط.

وكأي صحيفة محترمة، لم تضع "المدن" توجهاتها ومواقفها تحت رحمة كُتّاب الرأي، بل أثبتت موضوعيّة نقدها لحزب الله بنشر بحث معمّق حول الميزانية التي يخصصها الحزب لتأمين المواصلات يوم الانتخابات، ذكرت فيه ياااه كم هو غالي البنزين، مع الحفاظ على حيادها بتخصيص جملة متينة تؤكد أنه اااه صحيح معظم الأحزاب تفعل ذلك، ولكنها لا تستحق مقالات تصف استعمالها للبنزين كـ"سلاح".

مع ذلك، يُحسب للمدن أنها عضّت على جرحها ونشرت خبراً نزيهاً برّأت فيه حزب الله من منتحل صفة رجل دين انتشرت له فيديوهات مسيئة، موضّحةً أن خلفية الفيديو مفبركة بتقنية deep fake، لكن ذلك لم يقنع صحيفة "نداء الوطن" بالتوقف عن الاستناد إلى هذا الفيديو كلما سنحت لها الفرصة؛ إذ يؤمن محررو "نداء الوطن" أن الالتزام بالحقيقة لا يساوي شيئاً أمام الالتزام بدورهم في توعية الناخب اللبناني بضرورة التصويت للمرشحين القادرين على انتشال البلاد من أزماتها بمؤهلاتهم التي تتلخص بأنهم ليسوا حزب الله.