تغطية إخبارية، دليل الحدود

افهم اللغز اليمني في إحدى عشرة صورة

Loading...
صورة افهم اللغز اليمني في إحدى عشرة صورة

في شبكة الحدود، ولكوننا نتمتّع بطول البال الذي يعلّ القلب، قرّرنا منذ تأسيسنا عام ١٩٢١، أن نستثمر بالمحتوى المميّز الذي نقدّمه لكم، بعيداً عن الإشاعات التي تنشرها المواقع الإلكترونية الرخيصة كسرايا واليوم السابع، أو غيرها المطبوعة كجريدة الدستور الأردنية، أو الوفد المصريّة، أو القدس الفلسطينية، والديار اللبنانية السورية، أو الفضائيّات فعلاً في مضمونها، كروسيا اليوم، أو الجزيرة والعربية وفوكس، أو إم بي سي، إم بي سي! تلك القناة التي وصل بها الأمر أن تبث أفلاماً نعرف جميعاً أنّها مصوّرة في هوليود.

نقدّم لكم أعزّاءنا القرّاء، خلاصة فسافس تفاصيل جذور أصل الشأن اليمني، في إحدى عشرة صورة تدغدغ الروح وتعكس سخرية القدر وفريق الحدود

نبذة عن اليمن: مكان يقبع في جنوب شبه الجزيرة العربية، وكان، مثل بقية الدول العربية، أهم موقع في العالم القديم، لأنه يقع في خطوط التجارة الحيوية ويربط الشرق بالغرب بالشمال بالجنوب وما إلى ذلك.

وبعكس ما تظهره جميع خرائط الأطلس بالصوت والصورة، إلّا أن السعودية تَحدُّ اليمن، فعلاً، من الجهات الأربع، ومن الأعلى والأسفل أيضاً.

الصورة الأولىمرحلة ما قبل الألوان والتاريخ: من غير اللائق ولا المقبول ولا المدعوم بالبترودولار، الحديث عن ما قبل الإسلام، لأنه لم يكن هناك شيء حينها. لم تكن هناك لا سبأ ولا حضر موت ولا سدّ مأرب ولا احتلال فارسي وروماني ولا تجارة ولا صناعة ولا من يحزنون. لم تأت الديانات السماوية من الشرق الأوسط الحقيقة، تبعاً للبترودولار، تتمثّل في الصورة الآتية.

ما قبل الإسلام كان مجرّد سوادٍ في سواد، لا وقت ولا تاريخ ولا وجود له، كان الماضي صحراء سوداء معتمة اسمها الجاهلية، كما هي اليوم. ورغم وجود أدلّة دامغة على وجود الحضارة في اليمن منذ خمسة آلاف عام قبل الميلاد، أي قبل سبعة آلاف عامٍ من موعد كتابة هذا النص البائس، وقبل ثلاثة آلافٍ وستمئة عامٍ من نزول الوحي، إلّا أن ذلك غير مهم بتاتاً من وجهة نظر الحاضر. وتعد الصورة السابقة، قطعة فنيّة نادرة رسمها السلفيون والوهّابيون لتاريخٍ امتدَ ٧٠٠٠ عام.

الصورة الثانية – ممالك اليمن قبل الإسلام: في زمنٍ سحيق، كانت المملكة العربية يمنيّة، لم تكن سعوديّة، ولم يقصف اليمنيون جارتهم “السعودية” ولم يحتلّوها، خصوصاً أنه لم تكن في ذلك الزمن صواريخ ذكية وطائرات نفّاثة. لم يكن زمزم موجوداً في ذلك الوقت أيضاً، فصنع اليمنيون زمزمهم في هيئة سدٍ عال حقّاً، من دون فساد ولا منح خليجية، ورغم أنف الصورة السابقة.

الصورة الثالثة – الإسلام والفتوحات الإسلامية: أنقى الصور وأطهرها وأكثرها وضوحاً. دخل اليمنيون في دين الله أفواجاً، وعاصروا الفتوحات الإسلامية، حيث فُتحوا وأعيد فتحهم مراراً على يد الأمويين والعباسيين والقرامطة والأيوبيين وغيرهم ممن دعا لإعلاء كلمة الله ورصّ اليمنيين صفوفاً. استمرّت عملية الفتح والرصّ والفتح والرصّ هذه حتى انهيار الدولة العثمانية، وارتاح العرب من بؤس الخلافة إلى أن ظهرت مجدّداً في هيئة “تنظيم الدولة الإسلامية”.

الصورة الرابعة – عهد الفتوحات الأجنبية الكبرى: في عام ١٨٩٠، أتى الأجانب الحداثيون إلى اليمن بنياشينهم وقبّعاتهم المضحكة، وبنادقهم غير المضحكة أبداً. وماذا يفعل المستعمر عندما يصل يا ترى؟ يضع المستعمر “الملك غير المناسب في المكان المناسب”، كما العادة، ويعطيه قبعة مضحكة ونياشين ملونة أيضاً، يوهمه أنّه اخترعها له خصيصاً. وهكذا، صار اليمن محميّة إنجليزية مقسّمة إلى ٢٣ سلطنة وإمارة، فيما بات اليمنيون عتّالي موانئهم، كي يخدموا الاقتصاد العالمي.

الصورة الخامسة – تقسيم شبه الدولة إلى شبهي دولتين: لأن التاريخ ليس سوى انعكاس لمشاكلنا النفسية، نحن مركز الكون وخير أمّة أخرجت للناس، ساعدت الحرب الباردة بين الأمريكان والروس على رفع عدد زعماء العرب وخفض منسوب المواطنين. ومن هذا المنطلق، تم تجميع الإمارات اليمنية المتفرّقة وفرمها وإعادة عجنها وتقسيمها إلى يمنين.

الصورة السادسة – اليمن الشمالي: وسمّي بذلك نسبة إلى أغنية طوني حنّا الشهيرة: “دخلك والهوا شمالي”. اعترف الاتحاد السوفييتي وعبد الناصر باليمن الشمالي، فيما رفض السعوديون والأمريكان وإسرائيل ذلك، كعادتهم، لأنهم يتبّعون قاعدة “إمّا لعّيب وإمّا خرّيب”. في نهاية الأمر، تعبت السعودية وملّت واعترفت بالدولة الشمالية وهي تتأفّف. شهد اليمن الشمالي فترة استقرارٍ ساد فيها الهدوء، بما لا يزيد عن ٤ انقلابات وتمردات واغتيالات، و٦ رؤساء، بمعدل رئيس كل عامين ونصف. كان آخر هؤلاء الرؤساء، حبيب الجماهير، علي عبد الله صالح. لكن السعودية اللئيمة والمزّاحة استمرت بدعم معارضيه.

الصورة السابعة – اليمن الجنوبي: أكل الإنجليز مقلباً في اليمن الشمالي، ثم مقلباً في الجنوبي، حيث تمرد اليمنيون عليهم أيضاً، فقال الإنجليز الأجانب: “أوكّي، سنغادر. فخّار يكسّر بعضه، الله لايردكم”، لكنّهم قالوها بالانجليزية ثم اندلعت حرب أهلية عابرة أسفرت عن أول دولة ماركسية مسلمة باقتصاد متهالك.

كعادتها، تريد السعودية جذب الاهتمام والتظاهر وكأنّها الوصي على اليمن، فلم تعترف باليمن الجنوبي، وبعصوهم كما فعلوا مع اليمن الشمالي، فتحالف اليمنيون من الصنف الجنوبي مع أشقّائهم السوفييت الذين لا يبعصونهم، لكن هذا الحلف انبعص، ثم تحسنت العلاقات مع السعودية كما حدث في اليمن الشمالي. شعر اليمنيون بالملل بعدما هدأت الأمور، فأشعلوا من جديد حرباً أهلية مؤقتة فرطت الدولة عن بكرة أبيها. تمتّع اليمن الجنوبي بـ ٤ رؤساء واغتيالات وحركات تمرد أسوةً باليمن الشمالي، سبحان الله.

الصورة الثامنة – توحيد شبه دولتين في شبه دولة لإثبات أن الزّمن فعلاً يعود إلى الوراء: في العام ١٩٩٠ جاء، جاء القائد الأبدي الخالد، الرجل الذي يُحرق ولا يموت، ويُخلع دون أن يغادر، عدو الحوثيين وصديقهم، رجل السعودية وندّها، الجوكر، الأخ والابن والأب في ذات الوقت، أي أنّه عمّ حفيده، وأبو عمّه، تجسيد سِفَاح السِفَاح في لحمٍ ودم: إنّه علي عبد الله صالح.

استلم علي عبدالله اليمنيين بشكل رسمي، وظلّت السعودية تتحرش في مزاج اليمن، إلى أن أمسك علي عبد الله صالح السعوديين جانباً وقال لهم: هؤلاء شيعة يا جماعة، إنّهم مدعومون من إيران، هنا، وقف شعر السعوديين، لأنهم يقبلون بأي شيء، أي شيء فعلاً، مثل علي عبدالله صالح، إلّا أن يكون هذا الشيء شيعياً أو إيرانياً.

الصورة التاسعة – خلع الأب القائد: في عام ٢٠١١، تظاهر ٢٠٠٠٠ ألف شخص وثاروا مطالبين بتنحّي الأخ الأب القائد بعد ٣٣ عاماً من العِشرة باتجّاه واحد، انتقل اليمن خلالها إلى منطقة جديدة أسفل جنوب الحضيض. وتشير التقارير الدولية إلى أن اليمن احتلّ المرتبة ١٦٤ بين الدول الأكثر فساداً من أصل ١٨٢ دولة، ما الذي قامت بفعله هذه الدّول لتتمكن من التّغلب على اليمن؟ علي عبدالله صالح ما يزال في حيرة من الأمر.

لم يعترف علي عبد الله صالح بفشله في تحقيق المركز الأول في الفساد، واتهم الصهيانة والإيرانيين والعملاء الخونة بالوقوف وراء الأمر، ودفع بأنصاره إلى الشارع لتأييده أمام الكاميرات. سرعان ما تبين للثوار أن عبد الله صالح لن يتحرّك من كرسي الرئاسة لأنه التحم به تماماً، فكان لا بد من تفجيره، ففجّروه، وانفصل علي عبد الله صالح عن الكرسي، ولكنه لم يمت، لأنه، كما عرفنا سابقاً، رئيس خالد. وذهب علي عبدالله صالح إلى السعودية ليعالج آلام الخلع، ثم وافق على التنحي بعد أن اكتشف أنه يستطيع إدارة البلاد دون أن يكون رئيساً على الإطلاق، لأن الزعيم رجل مافيا في الأساس، وهذا ما يهم.

الصورة العاشرة – ما بعد الخلع: فرح اليمنيون بخلعهم لعلي عبدالله صالح، لكنهم كانوا بحاجة لخلع النظام بأكمله، فشرعوا يخلعون كل شيء من حولهم كأنابيب النفط والبنية التحتية والاقتصاد، وسرعان ما تحوّلت هذه الفعاليات إلى .. إلى ماذا؟ إلى حرب أهلية جديدة بالطبع. ورغم وجود يمن جديد، إلّا أن الزعامات والسعودية والمتنفّعين والأمريكان والكائنات الفضائية وإيران، كلّهم، يحتاجون للتضحية بدم الفقراء ليحسّنوا حصصهم في الكعكة، فاستمرّ القتال.

في هذه الأثناء، عاد، حقاً عاد، عاد علي عبدالله صالح إلى البلاد وتحالف مع الحوثيين، ودفعهم للسيطرة على المدن ومؤسسات الدولة وجيشها ومنشآتها، بمباركة إيرانية، إلى أن وصلوا بيت الرئيس الجديد، عبد ربه منصور هادي، حيث لجأ الأخير إلى السعودية التي احتضنته كما احتضنت أقرانه.

الصورة الحادية عشرة – عاصفتا الحزم وإعادة الأمل: فزعت السعودية وهبّت لنصرة الرئيس المتزعزع وتثبيته، وقادت عملية عاصفة الحزم العسكرية لمسح الحوثيين وأسلحتهم عن بكرة أبيهم، ثم باشرت بعاصفة إعادة الأمل لمسح اليمن بأكمله، لم يحدد السعوديون من هي الجهة التي يرغبون بإعادة الأمل لها، وتسود اعتقادات أنهم يرغبون بإعادة الأمل واحتكاره، لأنفسهم.

النهاية

مؤقّتاً

شعورك تجاه المقال؟