متى تنتهي المرحلة الانتقالية في السودان؟ الحدود تسأل والبرهان يؤجل الإجابة إلى حين انتهاء المرحلة الانتقالية
مصعب دمبولي - خبير الحدود في شؤون الانتقال الذي يبقى متحركاً ما لم تصطدم به قوة
٢٧ فبراير، ٢٠٢٢
منذ مدة ونحن ننتقل من متابعة أخبار المرحلة الانتقالية في السودان لأخبار المجلس العسكري الانتقالي وأخبار المجلس السيادي الانتقالي، لكن هذه المتابعة -بصراحة- لم تسعفنا في معرفة كيف ستتم عملية الانتقال أو بأي اتجاه ستكون أو أين أو ما الذي ينتظر شعب السودان حين يصل؛ حتى أننا لم نعرف إلى متى ستسمرّ هذه المرحلة، مع أننا أخذنا بعين الاعتبار أن عبد الفتاح البرهان ليس عمر البشير، وأن الزمن لن يتوقف عنده أيضاً لثلاثين سنة.
وفيما نحن غارقون في محاولات فهم وتحليل هذا المشهد المشكّل من الضباب، وصلتنا برقية إلكترونية مطوّلة من الرئيس القائد فريق أول عبد الفتاح البرهان، أوضح فيها أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية نقلت له حديثنا وشعورنا بالحيرة، وتفضّل مشكوراً بالإجابة على تساؤلاتنا، دون أن ينسى الإشارة إلى أنه سيدوس على رقبة مراسلنا في الخرطوم فور تحديد بيغاسوس هويته وموقعه.
وتاليا نص البرقية:
إلى العاملين في الحدود،
كيف خطرت ببالكم أسئلة ساذجة ضحلة بهذا القدر؟ ليس من عادتي إضاعة وقتي الثمين، ولكنني سأجيب هذه المرَّة من باب التزامي أخذ إشعارات المخابرات الإسرائيلية على محمل الجد؛ وأود بدايةً الإشارة إلى أن العملية الانتقالية عملية إصلاحية، والإصلاح بدوره عملية طويلة تبدأ بإصلاح المواطنين أنفسهم كي يتكيّفوا مع السودان الذي نطمح إليه، والانتقال بهذا المعنى هو نقل كل مواطن من تفكيره المتخلف واعتقاده بأننا لصوص فاسدون وقتلة مجرمو حرب إلى تفكير منفتح متطور يمكّنه من تقدير دورنا كحراس للبلاد وثرواتها.
لهذا، فإن أمامنا أسابيع وأشهراً وسنوات طويلة من وضع قائمة بأسماء المواطنين الواجب إصلاحهم، وتحديد البرنامج الإصلاحي الأنسب لكل واحد منهم، بما في ذلك أفضل طريقة لاعتقاله ونوع التعذيب الذي سيتلقاه، دون أن نغفل احتمالية موته والخيارات المتاحة للتخلص من جثته. إن كل هذا ليس سوى نقطة في بحر القوائم التي نعمل على وضعها ومراجعتها وتحديثها، كقائمة أسماء الدول التي يمكن أن نسمح لها بالتدخل في سياستنا الداخلية والخارجية، وقائمة التعديلات الدستورية اللازمة لتيسير انتقالي من رئاسة المجلس الانتقالي إلى رئاسة البلاد.
إضافة إلى ما سبق، ووفقا للفيلسوف زينو، فإن قطع أي مسافة يتطلب أولاً قطع نصفها، ولقطع نصفها يجب قطع ربعها، وهو ما يوجب قطع ١/١٦ منها وقبل ذلك ١/٣٢ منها و١/٦٤ وهكذا؛ إن هذا يعني أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة صغيييييرة مقدارها ١/∞، وهي مسافة غير متناهية تماماً كالمسافة بين سقوط عمر البشير ونهاية المرحلة الانتقالية.
إياكم والتشكيك بهذه الفلسفة، لأنني أسمع كل تنهيدة وأرى كل نظرة متحاذقة ترمقون بعضكم بها لدى قراءة برقيّتي هذه؛ تذكّروا أن ما أقوله أثبتته التجربة العملية وتجربتي أنا شخصياً، إذ يمكنني الانتقال من قيادة الجيش إلى قيادة المجلس العسكري، ثم المجلس السيادي، ثم رئاسة البلاد، ثم العودة إلى قيادة الجيش مجدداً، ثم إلى مكتبي أو إلى الحمام، ثم العودة الى المجلس الانتقالي، دون أن يشكِّل كل هذا سوى نصف سُدس رُبع عُشر المرحلة الأولى من المرحلة الانتقالية.
من جانب آخر، فإن ربط انتهاء المرحلة الانتقالية بي وحدي تغييب لدور المواطن السوداني وتجاهل أننا الآن في سودان الغد، سودان الحرية والأحرار، حيث يتمتع الفرد بحرية مطلقة للانتقال داخله أو خارجه كما يشاء طالما أنه ليس متظاهراً في طريقه إلى وسط الخرطوم.
ولكن لندع رؤيتي لمفهوم الانتقال جانبا، ما شأنكم بي؟ ألا تشعرون بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقي؟ دعوني أركّز في عملي؛ ضعوا أنفسكم مكاني، كيف سيشعر أحدكم لو وقفت فوق رأسه ورحت أنكزه وألحّ عليه بأسئلة مثل: متى تنتهي من المقال؟ كيف ستنهي هذه الجملة؟ هل انتهيت بعد؟ لقد نسيت همزة، لم لا تضع فاصلة هنا؟ كم تحتاج من الوقت؟ ألم تنتهِ بعد؟ حدد لي موعد تسليم لأقرب دقيقة. ألم تصبكم نوبة هلع لمجرد قراءة هذه الأسطر وتذكّر الرسائل التي يبعثها لكم أبو صطيف في منتصف الليل؟
نهاية، أود شكركم على الاهتمام بشؤون البلاد وشؤوني، وأعدكم وعد شرف أن تكونوا أول من يعلم باقتراب المرحلة الانتقالية من الانتهاء، خصوصاً أنني سأبقي مراسلكم قريباً من الحدث ومن صانعي القرار داخل السجن؛ فإن لم يتمكن من مراسلتكم، ستسمعون الخبر فور وقوعه عبر وسائل الإعلام قبل إغلاقها تماماً.
المخلص
عبد الفتاح (البرهان)