لايف ستايل، تقرير

رجل ضعيف يعتذر

جاد المأبون - مراسل الحدود لشؤون الزلل المزلزل

Loading...
صورة  رجل ضعيف يعتذر

صفع صباح اليوم الولد الثلاثيني المتشبه بالرجال مراد الإخص أسماع المشاة والباعة والموظفين والسائقين والأطفال بقوله كلمة "آسف"، فيما بدى أنه اعتذار للآخر الذي لم تعرف هويته بعد، عن خطأ لم تحدد مدى جسامته.

ولم يكتفِ مراد بنطق الكلمة، بل تجاوز ذلك ليؤكد صدق مشاعره بقولها مرتين أخريين، بصوت واضح، اختلطت فيه معاني الأنوثة والوهن والذل والاكتراث، وذلك قبل أن يتبعها بكلمات لا تقلُ قبحاً عنها مثل "اعذرني" و"لم أقصد" و"حقك عليّ"؛ لترسيخ سابقة أخلاقية من شأنها زعزعة ثوابت المجتمع وهز عرش الذكور الذكور، الرجال الرجال، الأقوياء الأقوياء، بكلمات ضعفاء الشخصية الحساسين ذوي الرجولة السائلة الآبهين بمشاعر الآخرين ومصالحهم.

مكتسبات تتبخر

لا يدرك المُعتذر الضعيف فداحة فعلته على الصعيدين المبدأي والجوهري، فالاعتذار ليس مجرد اعتذار؛ إنه مؤشر لحالة متقدمة من التفريط بمكتسبات الذكور والامتيازات التي انتزعها الفحول الأقوياء من أفواه النساء والأطفال والرجال الأنثويين منقوصي الرجولة، وراكموها من كل بقاع الأرض عقداً تلو عقد، قرناً تلو قرن، ألفية تلو ألفية، ليتمكنوا من فعل كلما يرغبون فعله ساعة يشاؤون دون عواقب، مع إمكانية ترسيخ ما اكتسبوه عبر الاستمرار بكونهم سيارة دفع رباعي تشق مسارها بعكس السير رغم أنف الطريق وجميع السائقين.

ماذا بعد؟

من شأن اعتذار التافه مُراد خلق مفاهيم مشوهة، مثل وجود تصرفات لا يجوز للرجال فعلها، أو أن الرجّل يخطئ. "ماذا بعد؟" يسأل الكاتب في حقوق الرجل سليمان طرامح: "ماذا حصل لتخلق لأخيك الذكر ألف عذر؟" أخشى ما أخشاه أن يأتي يوم تمتد فيه هذه الموجة الغريبة لتطال حقنا في إلقاء الدُعابات الظريفة عن المرأة والعجائز والأطفال والمعاقين والقرويين دون اتهامهم بالذكورية والأبوية والعنصرية أو أي كلمة من كلمات السوشيال ميديا، أو أن يعنّف الرجل امرأة أو طفلاً أو مثلياً ويتحرش بهم دون أن يجد عذراً تلقائياً يسنده ويشد أزره".

جانب مضيء في الأفق

رغم صعوبة الموقف الذي وضع مُراد الرجال فيه، يطمئن الأستاذ سليمان القلوب "بإمكاننا تدارك ما فعله، ولكن يجب أولاً أن نجلس معه لندعس في نيعه ونفهمه خطأه ونوجهه للذهاب غداً إلى ذات المخلوق الذي اعتذر منه وإضافة  كلمة (لأختك) أو (لأمك)، وحين يستفسر منه الشخص عما يقصده، يذكره بما حدث في اليوم السابق ويقول "آسف لأختك"، فيتحول الاعتذار إلى شتيمة تعيد اعتباره واعتبار الرجال، أو إضافة (هل تريد أن أقول) قبل (أنا آسف)، مع نبرة استنكارية مستهزئة تضع خصمه في موقف مُهين، أو بإمكانه الاعتذار عن الاعتذار بقوله مثلاً" أنا آسف على التأسف" وبدء حفلة الشتائم والبصاق وتوجيه اللكمات.

شعورك تجاه المقال؟