لايف ستايل، دراسة

أسئلة ابنك الكثيرة أغبى من أن تكون علامات نباهة

ممدوح قِزحة - مراسل الحدود لشؤون الخط الرفيع بين النباهة والبلاهة

Loading...
صورة أسئلة ابنك الكثيرة أغبى من أن تكون علامات نباهة

نحاول في الدراسة هذه تسليط الضوء على المعتقد المغلوط لدى والدي حمودة بأنّ الأخير "عبقري" و"أكبر من عمره" و"أذكى من أقرانه" كُلما فتح فمه -المليء بالبسكويت- وطرح أسئلة عشوائية من قبيل "من ماذا يُصنع عصير البرتقال؟"، وذلك من خلال تتبّع سلسلة المغالطات المنطقية التي أدت للخلط بين مفهومي الذكاء والغباء لدى أهل حمودة، لأن الثمرة لا تسقط بعيداً عن الشجرة.

يكبر العبقري الصغير، أينشتاين، ابن أينشتايينين، ويبدأ في ترجمة عبقرية أفعاله إلى كلمات؛ فبدلاً من إطلاق الريح أمام الضيوف أثناء الأكل، يتساءل بحذاقة في حضورهم "ماما، لماذا لا يجوز أن آكل مخاطي؟"، لتعجز والدة حمودة عن التفريق بين ابنها وبين أرسطو أو ديكارت

مغالطة رقم (١) الخلط بين الظرافة والنباهة 

الظرافة أو الـ(cuteness): مفهوم يُطلق على حمودة الصغير من قبل ذويه أو أشخاص آخرين قابعين تحت مرمى نظرهم. الظريف في مسألة الظرافة أنّها مسألة نسبية غير قابلة للقياس، لذا، يصح موضوعياً وصف الطفل بالظريف لدى سؤاله "ما اسم الأستاذ نبيل؟"، تماماً كما يصح أن تصف حبيبة حمودة حمودتها عندما يكبر ويصبح بحجم البغل، بأنّه ظريف حين يسألها "كيف نقلي البطاطا؟"، لكّن الإشكالية تبدأ عند الخلط بين "الظرافة" الخاضعة لأحكام عاطفية اجتماعية إلزامية، و"الذكاء" بوصفه مفهوماً قابلاً للقياس لا علاقة له بالملامح والسمات ولا بنبرة صوته أثناء خطبة الكوكوكاغا كغ التي تفضّل بها. 

في حالة حمودة، يبدأ الخلط هذا عندما يعرض والدا حمودة حمودتهما أمام الأقارب والأصدقاء للمرة الأولى، ويباشران نظرات الترقّب والانتظار للمديح الذي سينهال على تحفتهما الفنية التي تشبه كيس البطاطا في هذه المرحلة، إذ يُربِك الترقب هذا الضيوف؛ ليسردوا كلمات عشوائية عن ظرافة الطفل وجماله ورقته ووسامته ومدى شبهه بجدته ومقدار ما هو ما شاء الله عليه، في محاولات عبثية لإرضاء والديه اللذين لا يتوقفان عن انتظار صفات جديدة فريدة من نوعها، ما يدفع الضيوف -تحت الضغط- لاستعمال كلمات جديدة كلياً مثل "ذكي"، "نبيه"، "فطن"، ويحفرون في عقل والدي حمودة الباطن معتقدات لا تمت للواقع بصلة عن ابنهما، لعلّهم يحلّان عنهم بينما يأكلون حبة الشكولاتة أو طبق المُغلي والكراويا في زيارة المباركة غير المباركة. 

مغالطة رقم (٢) الخلط بين أداء الوظائف الطبيعية وبين العبقرية:

تُصاحب المغالطة المنطقية رقم (١) والدي حمودة في المراحل الأولى لنموه؛ فتعتقد الأم أنّه نما وكبر -العين تحرسه- لأنّه نبيه وأذكى من أقرانه -الله يحميه- وتبدأ في توثيق علامات نباهة حمودة على فيسبوك لنشاهد بالصوت والصورة حمودتي الذي تعلّم التبوّل والتغوّط بالفوطة دون معلم -يا سلام- ثم خطا خطواته الأولى بتوجيه بسيط -معقول؟!- وها هو لعابه يسيل على وجه الضيوف -هههه- الذين يخضعون لسلطة المضيفة ويؤكدون لها أن لعاب ابنها شهي، رقيق، وعذب، يسيل بطريقة مدروسة وانسيابية، تنم عن ذكاء يميزه عن أقرانه الذين يضع لهم أهاليهم مريلة قامعة ويأخذون ربع ساعة أو أكثر ليتجشؤوا، عكس حمودة الذي يتقيأ بشكل متواصل.

مغالطة رقم (٣) الخلط بين الثرثرة والأسئلة الذكية:

يكبر العبقري الصغير، أينشتاين، ابن أينشتاينين*، ويبدأ بترجمة عبقرية أفعاله إلى كلمات؛ فبدلاً من إطلاق الريح أمام الضيوف أثناء الأكل، يتساءل بحذاقة في حضورهم "ماما، لماذا لا يجوز أن آكل مخاطي؟" لتعجز والدة حمودة عن التفريق بين ابنها وبين أرسطو أو ديكارت، وتستمر أسئلة حمودة وملاحظاته الوجودية عن الحياة ليحملها معه إلى المدرسة، حيث يتفاجأ وينصدم، يا حرام، للمرة الأولى بأنّ سؤال "لماذا 1+1 لا تساوي 7" لا يواجه بابتسامة عريضة وموجة تصفيق حارة يليها أحضان وقُبل ونظرات رضا وإعجاب. ولأنّ حمودة يا أم حمودة ليس نبيهاً، لن يفهم لماذا يحصد تحصيلاً سيئاً في كل مرحلة دراسية، ولا، أرجوكِ، لا تدفعيه لتعلّم الطب وتشتري له مقعداً في الجامعة فيستأصل حمودة الكبير بنكرياس المريض بدل زائدته الدودية.  

*أينشتاين عدد ٢

شعورك تجاه المقال؟