لايف ستايل، الحدود تسأل والحدود تجيب

​​لماذا لم يخلقني الله شجرة وأراحني من هكذا عيشة؟ أنت تسأل والحكومة تقتلع غابة لبناء مول

عدنان قوانص - مراسل الحدود لشؤون بيئة الاستثمار ومناخ التنمية

Loading...
صورة ​​لماذا لم يخلقني الله شجرة وأراحني من هكذا عيشة؟ أنت تسأل والحكومة تقتلع غابة لبناء مول

تستقيظ صباحاً بعد نهاية أسبوع بائسة لم تفعل فيها شيئاً سوى النوم ولعب كاندي كراش، ترتدي ملابسك التي لا تقوى على تغييرها أو شراء غيرها، قميصك الأبيض عليه بقعة قهوة من الأسفل إلى اليمين قليلاً، أو أنّه شيءٌ آخر؟ لا يهم، تحشو القميص داخل البنطال وتصفف شعرك بينما تُطرق إلى نفسك في المرآة، تنزل إلى الشارع لإيقاف سيارة أجرة تأخذك إلى وظيفتك اليومية المثيرة للشفقة. 

بعد خامس سيارة أجرة، تقف واحدة لأجلك، تدخل وتحاول تجنب فتح أي موضوع مع السائق، ولكنه يكلمّك شئت أم أبيت. تنظر خارج الشُباك المتسخ وشوارع العاصمة تركض إلى يمينك، يغدو صوت السائق والزمامير والصراخ في الشارع بعيداً، بينما تسرح أنتَ لتلمح شجرة شامخة في منتصف الرصيف. تحسدها على حياتها وتتحسّر "لماذا لستُ شجرة تقف كالصنم وتحتل مساحة في العاصمة، لا يُزاحمها عليها بشر أو شجر، مساحة لا تُطرد منها لعدم دفعها الفواتير، تلمُّ الغبار ويُحممها المطر دون الحاجة لانتظار المياه الحكومية".

بينما تُفكّر، تلمح مشروعاً سيادياً حكومياً ضخماً، يجري العمل فيه على قدم وساق لاقتلاع حديقة خضراء -في معايير العاصمة، غابة- وذلك لبناء ما يقول الإعلان على باب الورشة إنّه مركز تجاري حديث. تغطس في حزنك أكثر، تتنهد وتسأل نفسك، كيف للشجر أن يلقى نهاية أفضل من حياتك.

"لمَ لا ترفق بي الدولة وتجرفني مع الأشجار؟ ياه يا ليتني شجرة زيتون في أرض فلسطينية ليأتي احتلال، لا يقتلعني فحسب، بل ينكّل بي ويكسرني ويهزني ويقص أغصاني أمام أصحاب الأرض وينتفني ورقة ورقة، لعلي أشعر بشيء عوضاً عن الفراغ الذي يكبر في داخلي مع كل يوم يمر وأنا هنا"، تقول لنفسك.

تصل وجهتك. تفتح الفيسبوك في العمل لتقتل الوقت، تقرأ ما وضعه صديقك السمج مهند من نكات متداولة مسروقة، لتجد منشوراً له يقول "هاجر أنت لست شجرة"، هل يعلم هذا السمج أنّ الشجرة نجحت بالهجرة من البلاد وأنت ما زلت تنتظر الفيزا؟".

من حسن حظ الشجرة أنّها تعيش في ظل حكومة تحترم النبات والحيوان والطبيعة، وتبذل قصارى جهدها في المحافظة على الثروة النباتية بعيداً عنها وعن أراضيها، فتحرك الكوادر والطواقم لإنقاذ أي عشبة وتقتلعها لتريحها من العيش في بلد كهذا.

ومع أنّك تعتقد أنّ حظك عاثر -خلافاً للشجرة- إلّا أنّ الحكومة تُفكّر بكَ أيضاً؛ إذ إنّ مشاريعها تواكب حياتك العصرية، لأنّها تُنفذك من التغير المناخي والحر والمشي في الأسواق التقليدية وقرف العصافير وعواء الذئاب والتراب المليء بالديدان والكائنات المقرفة الأخرى وتسمح ببناء مجمّع واسع مكيّف نظيف مبلّط يحوي أشجاراً اصطناعية تُضيء ليلاً ونهاراً، لتستظل بها من أضواء النيون والكشافات.

شعورك تجاه المقال؟