ارتياح عام بما أنّ المعلومات التي يجمعها بيغاسوس محفوظة لدى إسرائيل وليس دولة عدوة
سيف بغائي - مراسل الحدود من داخل حصان طروادة
٢٥ يوليو، ٢٠٢١
بعد خروج المؤسسات الصحفية بتحقيقات تتعلق بـ"مشروع بيغاسوس" والانشغال بتغطية التفاصيل والأحداث والصراخ على فضيحة التجسس التي طالت أكثر من ٥٠ ألف هاتف حول العالم، علت أصوات الصحفيين والناشطين والحقوقيين حول العالم، مستنكرين اختراق خصوصيتهم ومقتل زملائهم بعد نبش هواتفهم وتعقّب مواقعهم وقراءة رسائلهم الخاصة، بالتزامن مع انخفاض أصوات الحكومات والأنظمة زبائن بيغاسوس، الذين وضعوا أيديهم وأرجلهم في مياه باردة، مُطمئنين لوجود معلومات التجسّس كلها لدى شركة أسسها ضباط سابقون في الاستخبارات الإسرائيلية، ما يعني أنّها في يدّ حليف يحبونه ويحبهم، وسيحافظ عليها في يديه الأمينتين.
هل أنت قلق؟ مَنْ؟ أنا؟ أنا لست قلقاً. نعم لست قلقاً، بل مطمئن. دعني أطمنك أيضاً في حال كنت قلقاً، لا داعي للقلق.
عليك أن تعي يا صديقي القارئ أنّ قضايا التجسس العالمية لا تختلف كثيراً عن القمر الذي يتبعنا عندما نمشي ويظل فوقنا وخلفنا ليضيء علينا ويدخل نوره إلى غرفنا وبيوتنا دون إذن. والقمر كما نعلم، له جانبان؛ جانب مُظلم وآخر مضيء يُشعرنا بالراحة عندما نتوتر وتُتلف أعصابنا الأخبار السلبية. ماذا يعني أن يكون هاتفك الآن مخترق؟ هذا الهاتف التي تقرأ عليه هذا المقال الآن، ومايكريفونك وكاميرتك وصورك الخاصة جداً الآن مع شركة إسرائيلية تتعامل وتأخد الضوء الأخضر من إسرائيل قبل أن تعطس؟ هل أنت قلق؟ مَنْ؟ أنا؟ أنا لست قلقاً. نعم لست قلقاً، بل مطمئن. دعني أطمنك أيضاً في حال كنت قلقاً، لا داعي للقلق.
تعلّم من حكومتك. أُشعر بالطمأنينة، وضع أقدامك ويديك في ماء بارد. ائتمن إسرائيل على هذا المخزون الوافر من المعلومات الرقمية؛ إذ إنّ الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط تُعرف بحبها للآخر (أنت) وخوفها عليه (عليك) من أي أحد غيرها. لو أن شركة NSO كانت أميركية أو فرنسية أو بريطانية أو أي دولة استعمارية أو إمبريالية لها تاريخ حافل بالإبادة والحرب، حينها تستطيع أن تقلق، وليس عندما تعلم يقيناً أنّ معلوماتك في أيدي أمينة مسالمة وديعة محترمة كإسرائيل ووزارة دفاعها (لاحظ الدليل بكلمة دفاع، وليس وزارة الهجوم، أو جيش الهجوم الإسرائيلي).
وهذا الدفاع مع من يتعامل؟ من يشتري تطبيقات التجسس إلّا دول نظيفة كالسعودية والإمارات العربية المتحدة والمغرب؟ هذه الدول التي يستحيل أن تبتز أو تقمع أو تصفّي معارضيها -كما نعلم جميعاً فإن قضية الصحفي جمال الخاشقجي لم يُبت بها بعد ولم يعترف محمد بن سلمان بالوقوف خلفها، وبالتالي قد يكون انتحر بالفعل- وحتى لو استعملت هذه الدول تطبيق بيغاسوس للتجسس على المعارضين -مع أنها لن تفعلها- فتجسسها لهم ينبع من قلقها عليهم من محاولة تصفيتهم من أي أحد غيرها، ويصب في محاولة فهمهم ودراسة لغتهم وأسلوب حديثهم لتستطيع أجهزة الأمن محاورتهم بهدوء وبشكل يفهموه ويملأ الفجوة فيما بينهم قبل أن يقذفوا بأنفسهم في البحر أو يضعوا ٣ رصاصات في جبينهم لوحدهم.
وكي تطمئن أكثر، تواصلت الحدود مع الضابط كُ.أُ. في دائرة المخابرات العامة ليجيبها عن بضعة أسئلة تريح بالك وبالها وتالياً مقتطفات من حديثه معنا: "لا لا لا تقلق أرجوك، لحظة ما هو رقم هاتفك، صديقتك ناريمان بعثت لك نكتة الآن، افتحها، نعم انقر على الرابط، هنا، نعم، مضحكة صحيح؟ المهم، الدولة مثل والدك، فهي تراقبك لتبعد عنك معارضين السوء وتصحح لك وجهات النظر الغريبة التي قد تمتلكها نتيجة قراءتك الخارجية، لماذا تريد أن تخبئ عنها معلوماتك الشخصية ومعارفك ومحادثاتك أو أن لديك انحراف في النظر نصف درجة في العين اليمنى ودرجة ونصف في اليُسرى"؟