الأقلام المأجورة في شهر أيار: فلسطين تعود إلى الصدارة بوصفها شماعة الأنظمة وملطشة أبواقها
٠٣ يونيو، ٢٠٢١
نُقدّر في جحصع الجهود الكبيرة التي تبذلها الصحافة العربية للتنافس على الفوز بالجائزة، لما تُمثّله من فرصة نادرة للاحتفاء بالرداءة. ونتفهّم شكاوى الصحفيين بأنّ مجرد الترشّح للفوز أو تصحيح أخبارهم وعناوينهم ليس كافياً لتغطية الجوانب كافة من سوءاتهم. لذا، وحرصاً منا على حق كل قلم مأجور بالحصول على التقدير الذي يستحقّ، نُقدّم مراجعة شهرية لأبرز ما تناولته الصحافة وما لم تتناوله، آملين ألّا تشعر أي وسيلة إعلامية بالإهمال أو التقصير من جانبنا، وتتذكر أنّ باب المنافسة شرف وأنّ الفوز للأسوأ.
لطالما مثلّت الصحافة العربية انعكاساً دقيقاً، مُحايداً، ومباشراً لمزاج النظام الذي يصرف عليها، وقد عانى الكُتاب والمحررون طويلاً من هذه الحقيقة، ذلك أن أمزجة الأنظمة مُتقلبة، ومعجم الصحفيين اللغوي يعجز عن ابتكار جمل وتراكيب وكلمات جديدة تواكب هرمونات الرؤساء والملوك والوزراء والنواب والمسؤولين وأقاربهم، وهبوطها وارتفاعها وفق التحالفات الإقليمية والانتخابات الأمريكية.
لقد رزحت الصحافة العربية تحت وطأة هذا الواقع المُتقلّب لأعوام من العصف الذهني وابتكار الكذبة تلو الكذبة تلو الكذبة، ثمّ اختراع كذب ينقض ما سبقه من كذب، بالإضافة إلى الجهد المضني في نسج المؤامرات التي تحاك ضدنا وتضليلنا وتضليل نفسها معنا، وإعادة توجيه خطابات الكراهية نحو فئة جديدة مع كل أزمة جديدة، والردح والردح المضاد، فضلاً عن ضغط التملّق اليومي لأولياء الأمر والنعمة.
هذه الضغوط بدأت تتبدد مؤخراً بالتزامن مع أجواء المودة التي تسود الشرق الأوسط إثر المصالحة الخليجية، حيث تصالحت قطر مع السعودية والإمارات - وبالمعية مع مصر والبحرين - ثم تصالحت مصر مع تركيا، فتصالحت الجزيرة مع اليوم السابع وانتسبت للجيش المصري برفقة زملائها في السلطة الرابعة، بعد تصالحها مع القضاء والقدر واقتناعها أنّ الموت كأس سنشرب منه جميعاً كما شرب منه خاشقجي ولا سبيل لمواجهته سوى الصبر والدعاء له بالرحمة، تماماً كما تصالحت سكاي نيوز والعربية مع وفاة عمال المونديال في قطر. وها هي مصالحة السعودية مع إيران وتصالح محمد بن سلمان مع خسارته في اليمن تلوح في الأفق.
الآن، تستعيد الصحافة العربية البوصلة وتضبط المؤشر حيث قضية العرب المركزية، القضية التي لم تفقد ألقها منذ سبعين عاماً، جرحنا الذي لا يندمل، شماعة الأنظمة وملطشة أبواقها.
عادت فلسطين لتتصدر الصحف العربية مرةً أخرى، وازدان إعلامنا بألوان العلم الفلسطيني وزخرفات النجمة الإسرائيلية، واشتغل الصحفيون بالفلسطينيين، ولكنهم هذه المرة تسلحوا بالخبرة التي اكتسبوها أثناء اشتغالهم بالسوريين واليمنيين والليبيين والعراقيين والمصريين في مجالات الوقاحة والسفالة وقلب الحقائق، ولاحظنا الغياب العفوي للأخلاق والقيم الصحفية والصوابية السياسية لدى الصحف الإماراتية والسعودية؛ فانطلقت المبادرات الخلّاقة لكُتّاب العواميد الذين لووا عنق التاريخ لمنح أنظمتهم حق التطبيع مع إسرائيل والتذلل لها ومنحها الحق في تهجير الفلسطينيين وقتلهم لأنّهم عملاء باعوا قضيتهم، فضلاً عن التطوّر الملحوظ لمواقع متواضعة مثل "العربية" و"العين" و"الشرق الأوسط"، التي دخلت مجال العالمية بمنافستها بي بي سي وواشنطن بوست ويورو نيوز في تبرير القصف الإسرائيلي على غزة وتجريم المقاومة الفلسطينية بإعادتها تعريف مصطلحات جدلية مثل "إرهاب" و"مدنيين"، حتى بات المواطن العربي يفخر حين يتصفح هذه المواقع الحداثية ويشعر أنّه يتابع فيلماً من هوليوود عن صحراء عربية مكتظة بقطعان بدائية مُسلّحة.
بالطبع، لم تسلك سائر الصحف العربية الطريق هذا، ولم تقبل على نفسها إدارة ظهرها لأخوتها الفلسطينيين في الوقت الذي يستطيعون فيه المتاجرة بهم واستخدامهم في البروباغندا والتملّق للقادة والرؤساء (أبطال السلم والحرب)؛ فتزينت بعناوين عريضة عن الرئيس الدكر الذي أنقذ غزة، وخليفة المسلمين الذي تصدّى للعدوان بتصريحاته النارية والملك الذي دعا للأرض المُحتلة في السر والعلن.
حتى الصحف السورية المُنشغلة بعرسها الديمقراطي لم تُقصّر بحق فلسطين أو تشكو بأنّ الأحداث في الأرض المُحتلة خطفت الأضواء عن عريسها -خاصة وأنّها تستورد أضواء من إيران- حيث حملت مواقع "العالم" و"الميادين" طبولها وفقاشاتها لتعويض أي لوازم لاحتفالية دخول سيادة الرئيس القصر الذهبي.
هذه العودة الميمونة للقضية المركزية لصدارة الأخبار، لم تغير وفاء الصحافة العربية لتقاليدها العريقة؛ فلم تُغفل صحافة محور المقاومة إجراء أبحاث موسّعة حول آفاق وتحولات سعال سماحة السيد حسن نصر الله في خطاب النصر وانعكاسات مخاطه على المنطقة العربية، وحافظت الصحف الإماراتية على معدل النشر المعتاد عن "مبادرات الإمارات النوعية لمواجهة التحديات الكونية" ولم يتأثر التارجيت اليومي للنميمة على الإخوان المسلمين في الصحف المصرية لا كماً ولا نوعاً، كما تمسكّت "الجزيرة" بـ "حيادها" لاستضافة الرأي الآخر الإسرائيلي.
* حقوق النشر محفوظة - للأسف - لصحيفة العين الإماراتية، ذلك أنّ ظرافة فريق جحصع وحسّهم الساخر المُكتسب من المتابعة اليومية للصحف العربية لم يصل إلى حد ابتكار هذه الجملة.