لايف ستايل، خبر

لمَ لا يوجد زر لإنهاء الاتصال مع هذا الذي أمامي؟

راجي حلمجي - مونولوج الحدود الداخلي

Loading...
صورة  لمَ لا يوجد زر لإنهاء الاتصال مع هذا الذي أمامي؟

منذ ٢٣ دقيقة وأنا في محادثة مع فؤاد دون أي توقف. كيف ستنتهي؟ بالعادة مجموعة من الكلمات والأصوات والأهازيج تنهي الموقف؛ "ألو؟ لا أسمعـ ـعـ ـك، الصوت مُتقططع، صوتك رديء، لعنة الله على شركة الاتصالات، ماذا؟ ألو و و، لااا، ماذا؟ كيف؟ يبدو أنّ الاتصال انقطع، مع السلامة باااااي، لا لا أسمعك، انتهى شحن البطارية وتعطلت السماعة وانكسرت الشاشة وانحرق برج الاتصالات، باي، باي، بااااااااي". 

ولكن، مع الأسف، لن تنجح هذه الأساليب الآن، فأنا أمامه وهو أمامي، يحاكيني ويحدثني وجهاً لوجه، في أكبر تجلي لفشل التجربة البشرية على الصعيد التكنولوجي؛ عولمة واتصالات حديثة ووادي سيليكون وألياف ضوئية وبيل غيتس وشبكة عنكبوتية وهواتف ذكية وذكاء اصطناعي وفيزياء كميّة، وما زالت عاجزة عن ابتكار زر لإنهاء التواصل مع من يقف أمامي.

حسناً. أستطيع تفهّم غياب زر إنهاء الاتصال، ولكن ماذا عن زر لإزالة الصوت أو حتى خفضه؟ زر لإيقاف المحادثة لحظياً كي أتنفس قليلاً؟ ماذا عن زر أستحضر من خلاله أُمي لتنادي عليّ بصوت عالٍ فأنظرُ إليها وأنظرُ إليه وأنظرُ إليها ومن ثم أنظرُ إليه مجدداً وأعتذر لأنني مشغول وعليّ الذهاب، بدلاً من هز رأسي مجاملة ككلب التابلوه وأنا مغادر ذهنياً وساهياً بعيداً عنه لأتفاجأ به يسألني إن كنت أسمعه وما رأيي بما فعله فوزي لميسون. 

ما العمل الآن؟ هل أُطلق ساقي للريح وأحرك رُكبي دائرياً وأنعف غُبار الأرض بأقدامي صارخاً بااااااااااااااااي؟ هل أُمسك مؤخرتي وأقفز مُدعياً أنّني أعاني من الإسهال؟ هل تتناسب هذه الحجة مع الحجة التي اخترعتها تواً حول معاناتي من البواسير وعدم قدرتي على الجلوس؟ تلك التي قادت إلى حوار مدته ٥ دقائق. 

هذه المحادثة الطويلة الطويلة مع فؤاد لم تُحطّم إيماني في الألفية الثالثة فحسب، بل هدمت معتقداتي القديمة حول التواصل البشري، الذي اعتقدت طويلاً أنّه أشبه بمسلسل فريندز؛ تشاهده وقتما تشاء وتسرح في عالمك الخاص فور بدء روس بالحديث عن الديناصورات، تُخفض الصوت أحياناً وتكتفي بالمشاهدة الصامتة لتتجنب ضحك الجمهور المُسجَّل، توقف المشاهدة كلياً في أحيان أخرى وتعود وتُشغلّها من جديد أو تذهب لإعداد القهوة وتترك أبطال المسلسل يتحدثون وحدهم، فضلاً عن إمكانية الانقطاع التلقائي للصورة والصوت بسبب رداءة الإنترنت.

شعورك تجاه المقال؟