مفهوم الإزالة في تخطيط المدن الحديث: بقلم جلالة الدكتور حمد بن عيسى آل خليفة
١٤ فبراير، ٢٠٢١
تعدَّدت المآخذ والمعالجات الأكاديمية التي تتفحص الانطباعات التقليلية-التجريدية لرؤى التخطيط الحضري ومساعي هندسة المُدن في المدرسة المُعاصرة. وفي سبيل استمرارية البحث العلمي والتحادثية النقدية، تُهدي البحرين تجربتها للوسط الهندسي العالمي بإيجاد حلول خلاقة بين النظرية والتطبيق تركّز على الجانب الأنثرو-سوسيولوجي من صناعة المساحة وتأثير المدخل البنائي على النسيج المدني وتجربته التبادلية مع الحيّز. نكتبُ لكم، نحن ملك البحرين، هذه السطور استناداً إلى نهج مملكتنا في أخذ خطوات إنشائية مدروسة على مدى السنوات العشر الماضية. خطوات كان باستطاعتها إنقاذ مُدن عربية عدّة من التعثر بميادين وساحات سيئة التخطيط والبنية عام ٢٠١١، ولكن أن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل أبداً.
تحديد العبء التكويني
استناداً لدراسة لا علاقة لها بأي حدث عربي أو عالمي، حدّدت البحرين مشاكل متعددة تُحيط بدوار اللؤلؤة الذي يجلس في عصب العاصمة المنامة. بدايةً من جانب المكان الوظيفي؛ حيث إنّ مفهوم الممر الدائري عفى عليه الزمن ولا يصلح لدولة حديثة كالبحرين، ومكانه الجامع ما بين شمال وجنوب وشرق وغرب المدينة يتيح للجميع، دون أي استثناء، الوصول إلى أي بقعة في العاصمة، ما يؤثر سَلباً على التقسيمة الطبقية للمدينة ويمنح الديموغرافيات سهولة الحركة والاختلاط بديموغرافيات أُخرى، ما يجعل المُكوِّن الأقل عدداً / أكثر ثروةً ونفوذاً يحتكُّ بالمُكوِّن الأكثر عدداً / أقل ثروةً ونفوذاً، وقد يؤثر ذلك على توزيع الثروة والنفوذ في نطاق أوسع بكثير من بقعة الدراسة المُختارة.
كما أنّ وضع الأنصاب الحجرية تقليد كلاسيكي بحت لا يناسب تطلعات البحرين لمواكبة الأسثيتيكيات الما-بعد-حداثوية، وهي تحمل في طياتها معاني جامدة ترفض الديناماكية والرشاقة اللازمة لإدارة المساحة الأمثل؛ كالاستعاضة بسياج كهربائي أو حائط دركي رصين متموج أو مدرعات قوات درع الجزيرة التي يسهل تشكيلها وتكوين بنيتها المحسوسة حسب الحاجة.
أدلة تتماشى مع الرصد الأولي
٢٨ عاماً من وجود نصب هيكسا-ضلعي تعتليه لؤلؤة إسمنتية، كشف النقاب عن مشكلة جسيمة تحيط بتوزيع الطاقة الهوا-مائية أو (الفنغ-شوي: فلسفة توزيع الطاقة الصينية) في الدولة؛ فأضُلع النصب تمتص كل الطاقة الإيجابية وتقذفها إلى الأعلى بدلاً من السماح لها بالحركة الحرة في المجال الأفقي، ما أثر سلباً على سعادة المواطنين وأثار امتعاضهم وغضبهم إلى درجة نزولهم إليه والتجمّع حوله محاولين الوقوف في طريق هدر طاقة السعادة والرخاء والاستفادة منها بأجسادهم وخيامهم.
أدى هذا التزاحم حول النصب، رفضاً لوجوده كعائق مساحي ووظيفته كنطاق للتحول والانتقال الاحتكاكي التراصفي الطبقي، إلى اكتظاظ جسدي مروري خانق أثبتَ لنا وبشكل قاطع ضرورة إجراء مشروع إنشائي يغير المُبتغى الوظيفي-التنظيمي للمدى المكاني، وقررنا الولوج في تجربة ترميمية تتمثّل في مفهوم “الإزالة”، أي المحو التخطيطي التصحيحي الذي يؤدي إلى التنحي التركيبي، هذا المفهوم الذي استحدثناهُ خصيصاً تماشياً مع المطالب والرغبات الشعبية.
تطبيق مفهوم الإزالة: بين الإنشاء والاستطلاع
لم تتوانَ أو تتململ سواعد المهندسين الإنشائيين الخليجين والأردنيين والبحرينيين كافة عن مساعدة المواطنين في الخروج السريع من حقل الدراسة وشكرهم على ما بدر منهم من تحديد دقيق لموضع الإشكال الذي يحتاج إلى استجابة سريعة تُريحهم من همّ الحيّز البالي؛ فخلال ساعات فقط، يوم ١٨ آذار ٢٠١١، بادرت آلياتنا الإنشائية بإزالة المشكلة وتسطيحها ودهسها وتعبيد طرق مستوية فوقها للتأكد من عدم بروز أساسها من الأرض مجدداً.
من أساسيات نجاح أي مخطط حضري أو عمراني عدم إتمام العمل وإغلاقه بشكل تام دون ترك بصمة إنشائية للطبيعة، تضمنُ أولاً تقبّل المحيط الإيكو-بيئي للتكوين المستجد وعدم رفضه، وثانياً لضمان دقة النتائج المستخلصة في مرحلة المراقبة البحثية بالإبقاء على المتغيرات ثابتة؛ كالناس والمركبات والمواطنين والبشر والحياة كي لا يشوّش وجودهم على نجاح العمران بحالته الجنينية الهشة.
ومن ثم الانتظار…
والترقّب…
وبعد التأكد من نجاح إعادة دمج المساحة وإدخالها الحذر إلى المحيط بعد أخذ العنصر الزمن-كرونولوجيولوجي بعين الاعتبار وإجبار الناس على تناسي ما يؤلمهم؛ يمكنك إدخال المركبات بشكل تدريجي جداً إلى المنطقة المنشودة، مع أخذ الحيطة والحذر والتأكد من عدم وجود أي مناطق داخلية تسمح بالتَجَمُع أو مساحة عامة قد تحوي تجمهراً أو أرصفة للبشر المُشاة الذين قد يتوهون في المشي إلى تجمع، وتفادي أي وجود لشكل الدائرة، أو أي نصب، أو أسمنت، أو عشب، مع تغيير اسم التقاطع المروري وتمشيط الإنترنت لإزالة أي محتوى قاسٍ قد يثير حفيظة المواطنين الذين عانوا كثيراً من المساحة، لإبعادهم تماماً عن العناصر التي أزعجتهم بشكلها السابق.