لايف ستايل، الحدود تسأل والحدود تجيب

ماذا حلّ بعريف الصفّ؟ أنت تسأل وتنتظره لينهي مناوبته في السجن

شريف زلابيط - سجين خلف قضبان الزنزانة التي يحرسها كُ.أُ، عريف الصف سابقاً 

Loading...
صورة ماذا حلّ بعريف الصفّ؟ أنت تسأل وتنتظره لينهي مناوبته في السجن

حيوان المعلّم المدللّ، متصيّد الأخطاء وقنّاص الأحاديث الجانبية، مَن يضع يديه على الطاولة ويرمق الطلبة بامتعاض كأنّ أحدهم دهس والده وسرق محفظته وهرب، صاحب الزيّ المدرسيّ المرتّب الذي لا تشوبه انثناءة، مالك التصريح الحصري للخروج من المدرسة كي يجلب شطيرة فلافل أو كوب قهوة للمعلّم، لغز الأطبّاء النفسيين، وهادم ملذّات الطلبة في استراحة ما بين الحصص. لا يتسلّح بالقلم ولا بالمسدس؛ إنما بإصبع الطبشور، الإصبع الذي كان يُمسكه كأنه يمسك بندقية أو يُمسك بزمام الأمور، إنه عنكبوت الكهوف الذي يوقعك في شِباكه، مَن يرتدي حول عينيه نظارة سميكة ترفع من قدرته على رؤية الأفكار التي تدور في بواطنك، ملك السيطرة، مَن تنتهي أهميته بعودة الأستاذ من التبول أو تدخين سيجارة؛ إنه عريف الصف. 

أين هو الآن؟ ماذا يفعل بحياته؟ بمَن يفعل ما يفعله؟ وكيف تدبّر أمره دون وجود طلاب يشي بهم؟ لعلها أسئلة تدور في ذهنك كما دارت في ذهن رئيس تحرير الحدود، الذي كان ضحية للعريف وانهالت على يده مئات العصيّ الطائشة خلال حياته المدرسية لمجرد رفضه مشاركة كُ.أُ. شطيرته ذات يوم. 

وكما قرّر كُ.أُ. في الزمن الماضي تدوين اسمه على السبّورة بالبنط العريض، دوّن أبو صطيف اسم عريف صفّه في الاجتماع التحريري مُرفقاً بالتساؤلات السابقة، وفرّغ خمسة من زملائنا الأكفياء لمعرفة مصيره، حتى وجده زميلنا زلابيط في سجن العاصمة، حارساً وفياً شغوفاً لأحد السجون، واضطر للمكوث هناك للتحرّي عنه، حيث مرّر لنا الإجابات بحذاقة عقب إنهاء كُ.أُ مناوبته التاسعة على التوالي؛ فهو يعشق وظيفته لقضائه وقتاً ممتعاً في ترويع المساجين الآمنين والاستحواذ على أنفاسهم. 

يقول زلابيط في الرسالة التي كتبها على مناديل التواليت بالحبر السرّي إن حياته لا تطاق “عزيزي أبو صطيف، الله لا يعطيك العافية، لو أنّك أرسلتني إلى الجحيم لكان أرحم لي. إليك المعلومات التي طلبتها؛ عندما أنهى كُ.أُ عمله جاسوساً في الصف، التحق بالكليّة العسكرية ووشى بجميع زملائه العساكر، ولعق أحذية أصحاب القرار في الكلية حتى انطبعت بصمة لسانه عليها؛ فتوّجوه حارساً على السجن فور تخرجه. لقد أخذ تطوّره المسار الطبيعي؛ مِن كلب للمعلّم، إلى كلب للسلطة، ومن طبشورة في اليد إلى عصاة ومسدّس في الخاصرة، ومن سبّورة تُمحى، إلى دفتر يذهب مباشرة إلى مدير السجن”.

زلابيط عانى الأمرّين كما ورد في رسالته “عندما رأيته أوّل مرة، أخبرته أنني من طرف أبو صطيف فابتهج كثيراً، وكانت هديّته لي هي شبحي على قضبان السجن وتعليم عصاه على أجنابي. ليس في السجن كله رجل قادر أن يتمشّى في زنزانته أثناء مناوبات كُ.أُ التي لا تنتهي إلا حين يأتي مدير السجن، ليجلس كالأرنب كما كان يجلس في الصف حين يسمع وقع خطوات المعلّم”. 

وتابع زلابيط “إن رأى أحداً يمشي فإنه يدخل ويحطّم عظامه متّهما إياه بالمشي ناحية منزله ليتحرش بأخته. إننا نمشي في خيالنا فقط وإذا أردنا المشي على أرضية الزنزانة مشينا على أيدينا حتى لا يسمع كُ.أُ وقع خطواتنا ويحولّها إلى خطوات واسعة للغاية. وفي واحدة من المرّات أكلت الوسادة لأنه حرمني من الطعام والشراب بعد أن سمعني أسعل لإصابتي بكورونا وهددني بتحويل الحمّام من تنكة إلى علبة حمّص فارغة إذا لم أشفَ من المرض فوراً. أما إذا أردت إصدار صوت لعمليات حيوية أو ما شابه؛ فقد كنت أقتنص فرصة تعذيبه شخصاً آخر في زنزانة أخرى وأتصرّف على طبيعتي كإنسان لعدّة ثوانٍ قبل أن يعود ويعيدني إلى دمية في يده”.   

وذيّل زلابيط رسالته ببيان الاستقالة “أستودع الله زملائي الأعزّاء، خصوصاً بعد اكتشافي أن الحارس الجديد الذي سيوظّفه السجن هو كُ.أُ.أُ، عريف صفّي سابقاً، الذي كان يرفع بنطاله حتى حلقه ويمشّط شعره على الطريقة الهتلرية. لا أمل لي في البقاء، قضيت حياة مدرسية مدمّرة بسبب ك.أ.أ وها أنا ذا سأذوق الأزفت والأسوأ على يديه في السجن. أيامي معدودة، وأتمنى أن تتاح لي فرصة واحدة لأن أحلم كما أشاء عندما أنام، دون أن تتخدّر مؤخّرتي من عصيّه إذا شكّ أن أحلامي قد تتعارض مع فكرته عن الانضباط، دعواتكم. وإلى اللقاء”. 

شعورك تجاه المقال؟