الطفل السمج الذي كان يمتلك الكرة الوحيدة في الحيّ كبر وأنجب الطفل الوحيد الذي يملك بلايستيشن في العائلة
وائل تعانيب - مراسل الحدود لشؤون إعادة إنتاج السماجة
٢٤ يناير، ٢٠٢١
أتذكرون ذاك الطفل اللئيم الذي كان يختار الأولاد الذين سمح لهم ذويهم بلعب كرة القدم ويُعيّن الدفاع والهجوم وحارس المرمى لمجرد أنّه الوحيد في الحارة الذي يمتلك كرة؟ ذاك الوضيع الذي كان يحرد ويأخذ كرته ويعود للمنزل حين يفشل في إدخال الهدف، أو لأن والده جلب معه وجبة كنتاكي على الغداء فيحرمنا جميعاً من اللعب حتى يطفح الدجاج ويتحلّى بصحن كنافة ناعمة ثم يتمدّد ويطبطب على كرشه ببلادة بانتظار أن نستجديه ليعود برفقة كرته؟
نحن في الحدود نذكره جيداً، وقررنا تتبّع مسار حياته ومعرفة مصيره بعد كل هذه الأعوام، نظراً لأهميته في علوم السوسيولوجيا، بوصفه الوغد الذي عايشت حارات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية أمثاله في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، حيث أوكلنا هذه المهمة لمراسلنا مسعود بسبب الثأر القديم بينهما واضطراره لحل جميع واجبات السمج المدرسية مقابل اللعب في قلب الهجوم.
وبعد البحث والتقصي، تبيّن أنّ ذاك السمج الصغير كبر ليصبح سمجاً كبيراً استغل قدراته في استغلال حاجات الآخرين لمصلحته؛ فاستحوذ على بضعة موظفين ونصّب نفسه مديراً عليهم، واستحوذ على إجازاتهم ومكافآتهم وعلاواتهم وجمع ثروة صغيرة نجح من خلالها بشراء بلايستيشن ٥ لابنه، معيداً إنتاج سماجته على هيئة الطفل الوحيد الذي يمتلك هذه النسخة من البلايستيشن في العائلة، يسمح لأبناء عموته باستخدامها على أن يكون شريكاً دائماً وحصرياً لمن يأتي عليه الدور باللعب، ويلعبون اللعبة التي يختارها هو، ويواظبون يومياً على الإعجاب بمنشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي وتملّقه في التعليقات.
ويُعتقد أنّ السمج الكبير واجه الكثير من الصعوبات ليحوّل ابنه إلى سمج صغير مُتميّز عن بقية أقرانه؛ ذلك أنّه انتقل للسكن في حي راقٍ يستطيع جميع سكانه شراء بلايستيشن بكل بساطة، ما اضطره لتقوية الأواصر العائلية وإقامة العزائم والولائم بشكل دوري، ليستضيف أبناء إخوته الصغار، ويمنح ابنه الفرصة للتباهي أمامهم في ذات الوقت الذي يتباهى فيه هو بسيارته الجديدة.
ويشعر السمج الكبير بكثير من الفخر بابنه الذي فاقه في السماجة “فرحتي بتفوّق ابني تفوق فرحتي بتفوقي. نعم، لقد كنت طفلاً مميزاً اشتري البيبسي والبرنجلز في استراحة المدرسة، وامتلك الكرة دوناً عن بقية أبناء الحي، لكن أبناء جيراني كبروا وتوقفوا عن اللعب ولم يعودوا بحاجتها، أمّا ابني حبيبي فلديه بلايستيشن يرجوه الكبار قبل الصغار أن يلعبهم بها، ويبقى أفضل من أقرانه مهما كبروا في السن”.