لايف ستايل، تحقيقات الحدود

أين يذهب النوم حين لا يأتي؟

Loading...
صورة أين يذهب النوم حين لا يأتي؟

من المؤكَّد أنَّك قضيت لياليَ طويلة لم تذق فيها طعم النوم بسبب قراراتٍ خاطئة كشرب كمياتٍ هائلة من القهوة، أو كمياتٍ قليلة منها ومعاناتك من الصداع لنقص الكافيين، أو لأسبابٍ خارجية كممارسة الحياة هواية رميك على الأرض ورفسك والدعس عليك، وهو ما يثير قلق دماغك البدائي الذي يشرع بضرب أخماس في أسداس واللف والدوران حول نفسه والتفكير في المشهد البطولي الذي ستؤديه غدا حين تمسح الأرض بمديرك قبل أن ترميَ الاستقالة في خلقته أو يأخذك في رحلة سفاري يتعطل خلالها محرك المركبة وتنفّس عجلاتها ويجول حولك نمرٌ قد ينقض عليك في أي لحظة ويبقيك متنبِّها لحمايتك. 

لكن المأساة الحقيقية مع النوم تكمن في تلاعبه بمشاعرك، عندما تكون على سبيل المثال مضطجعاً على أريكتك تشاهد التلفاز، تتثاءب طيلة الوقت وبالكاد تستطيع فتح عينيك، لتنهض إلى سريرك وتتفاجأ أنه تركك وحيداً تتقلب؛ عيناك كالبوم وعقلك يعمل كالغسالة، مستغلاً حاجتك له ليمعن في إذلالك، وتبدأ محاولاتك إغراءه بتشغيل موسيقاه الكلاسيكية المفضلة، أو تقلّب الوسادة وتضع يدك تحتها ثم تتقلب أنت شخصيا ثم تدفن رأسك تحت اللحاف قبل أن  تخرج أنفك من تحته لتتمكن من التنفس، وهكذا حتى تفقد الأمل من حل المشكلة بشكل طبيعي، فتستدرجه بحبوب منوِّمة قبل أن تلاحظ طرف الشمس وتلعن حياتك.

ولأنَّنا في الحدود بشرٌ مثلك، نخضع للعمليات الفسيولوجية نفسها، ويتعامل معنا النوم  بالازدراء نفسه، أيقظنا الزميل سرجون فريد لنكلِّفه بمعرفة أين يذهب النوم اللعين، فهو على علاقةٍ طيبة معه ولا يفترقان لا في السرير ولا في المكتب ولا في الحمام، وبالفعل، عاد لنا في اليوم التالي بوجه شاحب وعينين محمرّتين بعد أن تعقبه حتى منتصف جسر الوعي واللاوعي مع قائمة بأبرز الأماكن التي يذهب إليها النوم وما يفعله أثناء غيابه:

أولاً. يلعب الورق مع أصدقاء السوء: يقع اللوم عليك في هذه الحالة طبعاً؛ أنت الذي لم تعامل نومك بشكلٍ صحيح وأمضيت حياتك تتجاهله وتستبدله بالكافيين والشايين والنيكوتين حتى شعر بالإقصاء، وها هو الآن قد صار صديقهم الذي أدمن إمضاء الوقت معهم دون أدنى اكتراث بك، وحين يغيبون عنه ولو قليلا ينهار عصبياً ويسبب لك الصداع الذي يبقيك مستيقظاً. وهو لا يتركهم إلا نكاية بك عندما تقرر السهر لتُنهي دراسة مقرر امتحانك الذي ستقدمه صبيحة اليوم التالي.

ثانياً. أحضان الحبيب: الحبيب الذي لم يرأف بحالك رغم رسائل الشوق التي بعثتها إليه على واتساب وفيسبوك وتيليجرام والبريد والحائط المقابل لمنزله. هذا الحبيب لم يكتف بتجاهلك فقط، بل سرق منك نومك أيضاً وهو الآن يغطّ في نوم عميق فيما تقرأ أنت هذا المقال وتتقلب على سريرك كسحلية وحيدة في صحراء الربع الخالي.

ثالثاً. الجهات الأمنية: لا تحاول أخذ مهدئات وحبوب منومة لاستعادته في هذه الحالة، فهي لن تجديَ نفعاً، اصبر بضع ساعاتٍ وسيفرج عنه المحققون صباحاً مباشرة في موعد نهوضك للعمل، ليستدعوه في اليوم التالي، والذي يليه، ثم يترك لليلة، ثم يستدعوه مجدداً، وهكذا. مجرد إجراء روتيني، كل ما تريده السلطات هو الاطمئنان عليك ومعرفة عدد ساعات نومك وطبيعة أحلامك.

رابعاً. مُصادر لصالح القائد: القائد الذي يسهر لأجل راحتك وأمانك وحماية الدستور الذي فصّله على قياس قدمه يحتاج للنوم، ومن أين يأتي به إن لم يقدِّمه الشعب له تقديراً لجهوده؟ لا تحزن، وإياك أن تعتقد أن لدى القائد موقفا  شخصيا مع نومك. هوّن عليك، فقد أخذ التراب والماء والهواء والحرية، ولن تسوء حياتك كثيراً بفقدان النوم.

شعورك تجاه المقال؟