لايف ستايل، الحدود تسأل والحدود تجيب

متى سيتأقلم الناس مع عملك من المنزل؟ الحدود تسأل وأنت لا تجيب لأنك تصلح طاولة السفرة مع والدك

رائد عفارم - مراسل الحدود لشؤون أخذ مغادرةٍ لنصف ساعة وعدم قول رأيه في الاجتماعات لأنَّه إذا أزال الميوت فسينشر غسيل العائلة بأكمله في الشركة

Loading...
صورة متى سيتأقلم الناس مع عملك من المنزل؟ الحدود تسأل وأنت لا تجيب لأنك تصلح طاولة السفرة مع والدك

متى يا الله؟ متى سيفهم الناس، وخصوصاً العائلة، أنَّني في الدوام وأعمل وأحاول إنجاز المهام المتراكمة عليّ وأجامل وأكذب وأراوغ لأكسب بعض الوقت تماماً كأي يوم عملٍ طبيعي؟ أي والله، أعمل رغم وجودي في المنزل. متى سيقتنعون أنَّني مسكين بلا حول ولا قوة، ووجودي معهم ليس إجازةً مدفوعة أتمتع بها لأنَّني سي إي أوه شركة تأمين حقَّق أرباحاً خيالية هذا العام، بل موظف عليه الاستمرار بالعمل كالكلب حتى خلال انهيار الاقتصاد وتساقط من حولي بفيروس ينتشر في كلِّ الكوكب ونهاية العالم، لاستمرار الفواتير بالصدور شهرياً بلا أدنى شفقة أو رأفة، وعدم وجود طائر لقلق حنون يترك سلّة من الطعام والشراب على نافذتي.

في الحقيقة، عزيزي القارئ، لا أتوقع منك أن تجد حلاً لهذه المشكلة – إن كان لديك حلٌّ فعلاً أستحلفك أن تنقذني بإرساله إلى raed@alhudood.net – لكن عليَّ الآن التعامل مع هذا الاحتمال كأنه غير موجود إلى أن تحدث معجزة تثبت العكس؛ فأنت الآن على الأغلب تسابق الريح مغادراً الدكان بكيس خبز كي لا تتأخر عن اجتماعك، أو تُصلح طاولة السفرة مع والدك الذي يرفض إمساك طرف الطاولة ودقّ المسمار في آن معاً ويجب أن يعتمد عليك ويبهدلك ويمسح بكرامتك البلاط لانشغالك بالهاتف والكمبيوتر والإنترنت عوض مساعدته وتذكيرك بأنك لفاشل عديم الفائدة وأنه لو أنجب رِجل طاولة سفرة لكانت أشرف له.

أدرك تماماً أنَّك تقرأ آملاً أن أقلب توقعاتك وأقدم لك النصائح، لكن للأسف، لا مفر؛ فأنا مثلك بدأت معاناتي منذ آذار/مارس الماضي، قبل تسعة أشهر – أجل، آذار كان قبل تسعة أشهر – وأعلم أنَّك مثلي ظننت في البداية أنَّ عائلتك ستتفهم أخيراً حقيقة أنَّك لا تعمل من المنزل لمجرَّد كسر الروتين وتغيير الجو لزيادة الإنتاجية بعيداً عن وجوه مديرك وزملائك، وإنَّما ما زلت عبداً لرئيس التحرير العبد لمديره عبد صاحب الشركة، التي استخدمت تكنولوجيا التواصل الحديثة لمدِّ نفوذها إلى منزلك وغرفة نومك وحمَّامك، في حين لم تتنازل العائلة بدورها عن نفوذها في المنزل، مقلقةً بذلك التوازن التاريخي بين كونك عبداً موظَّف تيم بلاير يعمل تحت الضغط لثماني ساعاتٍ يومياً في الصباح، ويلعب في المساء دور العبد/ الابن / الابنة / الأخ / الزوجة / الأب / الأم / الحبيب / العشيقة / العتال / الزفت / الخادمة / ثور الساقية.

لعل النصيحة الوحيدة التي يمكن تقديمها لك هي الاستسلام لقدرك؛ سيتمسك مديرك بأوقات نفوذه عليك إضافةّ للدوام الإضافي لقناعته أنَّك تحب العمل وأنه يقدِّم لك راتباً يكفي لشراء منزلٍ خاصٍ بك أنت وحدك، وسترفض عائلتك التنازل عن منطقة نفوذها وإضاعة فرص استغلال وجودك أمام أعينهم لمجرَّد وضعك سماعاتٍ رخيصة وتمثيلك أنَّك لم تسمعهم ينادون اسمك عدّة مرات قبل أن يبدأوا بشتمك. توقف عن تخيل أحد الطرفين يتصرف وفق القيم الإنسانية، وأن تُنظَّم العبودية. المسألة بين يديك الآن … أمسك الطاولة جيداً حتى لا تقع وتعيد العمل من أوِّله … المسألة وجودية تماماً على غرار المسائل الكبرى، مثل من أنا ومن أين أتيت وما الغاية مني ولماذا أُطلب أنا وليس أخي حمودة التافه أو أمجد من قسم المحاسبة، لا جواب لها، أنت لست إلا ظهراً يضع مديرك قدميه عليه ليرتاح أو عنقاً تعلق عائلتك فيه الرسن وتجره.

أنت من عليه التأقلم؛ يجب أن تنهي الاجتماع بسرعة لإصلاح الطاولة وتحريك الطبخة لدقيقتين قبل البدء بإرسال الإيميل وتغيير ملابسك التي استفرغ عليها الطفل والتحرك بسرعة لفتح الباب لأن جارك المتقاعد أحب الدردشة معك حول مشروع تغيير اللمبات في المصعد وطلاء جدران العمارة. في النهاية، لا بد من الوصول إلى السعادة، ولكن هذا يحتاج لقدر من الرضا والقدرة على إقناع نفسك أنك اكتسبت مهارة جراء تحمل هذا الوضع، حتى وإن لم تستفد منها مستقبلاً إلا إذا دخلت في علاقتين عاطفيتين ولسببٍ ما قرَّرت الاتفاق معهما على موعدٍ غرامي في المكان والوقت ذاته.

شعورك تجاه المقال؟