كيف تتخلص من رائحة الشواء العالقة بملابسك من آخر رحلة قمت بها قبل ثلاث سنوات؟
٠٢ ديسمبر، ٢٠٢٠
رغم تطور العلم والحضارات الإنسانية واختراع الأفران العادية والكهربائية، إلّا أنّ الإنسان الحديث ما زال فخوراً باكتشاف آبائه الأوائل، حين نجحوا بإشعال النار وتناول الغزلان والأرانب المشوية، وكلما ضاقت به المدينة هرع إلى العراء لاحتضان الطبيعة الأم، حاملاً الفحم والحطب ومنقل الشواء والكباب والشقف والبصل والبندورة والفلفل الحار، تاركاً روائح الطبيعة تتغلغل في ملابسه الحديثة.
ولأنّ الإنسان الحديث، لأنّك أنتَ عزيزي الإنسان الحديث، أحمق بطبعك، تنسى في ظل الأجواء الحميمية أنّك ستعود إلى المدينة في الملابس ذاتها، وأنّ رائحة الشواء ستفوح إلى الأبد من ملابسك التي ترتديها في جميع المناسبات، وأنّ الغسالات الحديثة وكومفرت برائحة أزهار الربيع لن تزيل عنها تلك الرائحة، وفور تذكرك؛ تلعن الساعة التي وافقت فيها على اقتراح صديقتك وداد بالذهاب إلى الرحلة.
نحن في الحدود، نُقدّر معاناتك ولا يُرضينا أن تستمر في لعن وداد وتحميلها المسؤولية؛ لذا نُقدّم لك هذا الدليل للتخلّص من تلك الرائحة. لا نعدك أنّها ستختفي تماماً؛ إذ كان من الصعب تجريبها علمياً وإشعال حريقٍ في المكتب واعتمدنا على تجاربنا السابقة بالتخلص من رائحة بيض الزميل مصعب.
أولاً: الإنكار
لا بُدّ أنّك تشتم رائحة ملابسك في كل مرة تُفكر بارتدائها وتشعر بالخجل من المجتمع، معتقداً أنّه سيحاكمك. حسناً يا سيدي، سنأخذك على قدر عقلك ونفترض جدلاً أن أحداً يتتبع رائحة ملابسك أو يهتم لوجودك في العموم، ما المشكلة؟ لا تهتم، ارتد الملابس على مدار الأسبوع كي يعتاد أنفك على الرائحة ويبدأ دماغك بتجاهلها، وإن سُئِلت عنها؛ اصطنع التفاجؤ ثمّ اتهم السائل بأنّه هو من تفوح منه رائحة الشواء لأنّ من شمّها لمّها.
ثانياً: التمويه
بما أنّك تعيش في المدينة، لن تواجه صعوبات كبيرة في احتضان كافة أنواع الروائح القوية وتشكيل مزيجٍ منها يطغى على رائحة الشواء. عليك تجنّب الإسراع المعتاد في مشيتك عند مرورك صباحاً من الشارع الذي تفوح منه رائحة المجاري، ثم اركب الحافلة واجلس إلى جانب الفتى الذي يُقشّر البزر ويتناول الفستق المُملح والمُبهر، ربّت على كتف السائق وهو يُدخن السجائر، وإن كنت محظوظاً سيرميك من الحافلة لتقع على وجهك في سوق الدواجن، أو تتعرقل ببراز كلب، أو إنسان، في منتصف الشارع.
ثالثاً: انتحل شخصية جديدة
ارمِ ملابسك القديمة في أقرب حاوية واشتر غيرها. لمَ لا؟ أليس الذنب ذنبك؟ كان بإمكانك ارتداء البيجاما التي أهدتك إياها خالتك عندما نجحت في الثانوية العامة والتي ترتديها عند طلاء المنزل، لكنّك قرّرت التأنّق والتهندم بالملابس الوحيدة التي تصلح للاستعمال البشري، مُعتقداً أنّك ستنجح بإقامة علاقة رومانسية مع إحدى الجميلات خلال الرحلة. تفضل إذن وتحمّل عواقب أفعالك واشترِ ملابس جديدة. اعتبرها فرصة يا أخي للتغيير، ولا تخف، لن تدفع لقاء الملابس أكثر من المبلغ الذي دفعته في الرحلة.
رابعاً: اللجوء للعلم
إنّ العلم عزيزي القارئ، غير مقيد بحدود العقل والزمان والمكان والغسالة والمُعطر، بإمكانك تشكيل فريق مرتزقة واقتحام معمل كيميائي واختطاف العلماء كرهينة، إلى أن يخترعوا مادة تُحلّل جزيئات القماش وتفصلها عن ذرات الكربون والدخان العالقة في الملابس – هم يستحقون الخطف أساساً لعدم اختراع هذه المادة حتى الآن – ثم استعمل المرتزقة لسرقة بنك، واشتر بالأموال مصنع ملابس، ثمّ تصفّح مع مدير المصنع صور الرحلة المنشورة على إنستاغرام وداد (نعم وداد التي كنت تلعنها) لتريه الملابس التي كنت ترتديها وطالبه بإعادة تصنيعها باستخدام جزيئات القماش. هذه الخطة ستضمن مداهمة الشرطة لك والحكم عليك بتهمة السرقة والخطف وحيازة السلاح والإرهاب، حيث ستمنحك السلطات ملابس جديدة لا تعبق بها رائحة الشواء، ونعدك في حال تنفيذ هذه النقطة بكتابة مقال شامل عن كيفية التخلّص من رائحة العدس.
خامساً: تقبّل الأمر
إن كانت حياتك بائسة إلى حد عدم القدرة على شراء ملابس جديدة أو سرقة بنك، فلا بُدّ أنّك لن تستطيع الذهاب في رحلة شواء أخرى أيضاً، لذا؛ لا تحاول التخلّص من الرائحة، بل اجعلها شاهدة على يوم المرح والفرح الذي قضيت نصفه جائعاً بانتظار نضج اللحم، ونصفه الآخر مُتخماً غير قادر على الحركة. وتذكّر أنّ هذه ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي تتعايش فيها مع واقعك البائس.