من تظنُّ نفسك لتتمنى أن تنشق الأرض بنا جميعاً لتبتلعك أنت شخصياً؟
١٢ أكتوبر، ٢٠٢٠
لا بد أنك اختبرت الكثير من المشاعر السلبية قبل أن تصبح كتلة من اللامسؤولية وعدم الاكتراث بنفسك وبكوكب الأرض وما عليه، لدرجة تمنِّي حدوث كارثة طبيعية متمثلة بتحرك صفائح الأرض وطبقاتها وانشقاقها في البقعة الجغرافية التي توجد فيها حضرتك لتبتلعك، ولماذا؟ لتخلِّصك من مكالمة هاتفية لا تنتهي أو أزمة سير خانقة أو مصادفتك حبيبتك السابقة في مكان عام وإلقاء التحية عليها وعلى حبيبها الجديد.
لا تُسئ فهمنا؛ فنحن لا ندَّعي هنا أنَّ انشقاق الأرض أمر مستحيل، والكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وطوفان ونيازك أحداث من الممكن أن تؤدي في النهاية لانشقاق الأرض وابتلاع من عليها، لكنها جزءٌ من النظام البيئي وقوانينه الفيزيائية، ولا تحدث بأمرٍ من أيِّ فردٍ أو تلبية لرغباته، وخصوصاً رغباتك أنت. وحتى ميثولوجياً، هذه الفكرة ليست جديدة؛ إذ خُسفت الأرض بقوم لوط، ولاحظ أنَّهم كانوا قوماً بحالهم. وحتى فرعون، وبالرغم من كل شروره انشق لأجله مسطحٌ مائيٌ ليغرقه وحده فحسب. أما أنت فمن سيهتم بإزالتك عن الوجود مع ما يتطلبه ذلك من تغييرٍ للتركيبة الجيولوجية للتربة وانحراف مسار ما تبقى من أجسام مائية وقلب معالم مدينتك بعد وقوع بنايات حيّك فوق رؤوس أصحابها وإرضاء حضرة جنابك؟
ولماذا تريد إقحام كلّ من حولك في نهايتك الرومانسية والتراجيدية؟ أي أنانية هذه! أنت حتى برغبتك في الزوال إلى العدم تسلب من حولك حقهم في الموت بطريقة يختارونها؛ فمنَّا من يدعو على نفسه بالحمى أو السكتة القلبية أو حتى يرغب في البقاء على قيد الحياة ليتمنَّى الموت بشكل يومي. وحتى لو قلنا جدلاً إنَّك تدرك ذلك ولن تتمنى سوى انشقاق نصف متر مربع يبتلعك وأنت واقف، قل لي صدقاً، هل ستتذكر وضع هذه الشروط الدقيقة لأمنيتك خلال فورة غضبك، وكل تلك الدراما التي تعيشها؟ ثمَّ من قال لك إنَّنا نريد رؤيتك تسقط في الستين داهية الخاصة بك؟ ومن سيسدُّ الفجوة التي ستخلِّفها وراءك؟هل سنبتلي نحن بترقيعها والتبليغ عنها للبلدية رفقة الحُفر والمناهل والمطبات بلا جدوى، ثمَّ اللجوء لتمني زوالها كلما وقع فيها أحدهم؟
عزيزي القارئ، لو كانت لديك القدرة على تحقيق أمنيات كهذه، لما احتجت لانشقاق الأرض وابتلاعك أساساً، ومحدودية صلاحياتك يجب أن تكون سبباً بإعادة تقييمك لنفسك وللممارسات التي يحق لها اتباعها لإطلاق غرائز تدمير الذات لديك. كن مثل سائر الخلق: اشرب السجائر والكحول والمخدرات والعصائر وكل الشيبسات المسرطنة والشاورما المؤدية إلى التسمم لا محالة. وإن كان ولا بدَّ أن تجد نهاية ملحمية فورية، فما عليك سوى الحديث في السياسة وشتم الزعيم أو ابنه أو صديقه في العلن لتضمن الاختفاء وراء الشمس.