لايف ستايل، خبر

نجاح التعليم عن بُعد في تهيئة الطلاب لمستقبل طويل من دفع الرسوم دون الحصول على خدمات

Loading...
صورة نجاح التعليم عن بُعد في تهيئة الطلاب لمستقبل طويل من دفع الرسوم دون الحصول على خدمات

لعقود طويلة مضت وحتى نهاية ٢٠١٩، كانت المدارس صروحاً ذات أسوار شاهقة تنتهي بزجاج مكسر أو سياج حديدي ينتهي برأس مدبب يعيق هرب الطالب من التعليم دون أن يصاب بجرح خطير أو عاهة مستديمة. كانت الجامعات مباني مزودة بأساتذة وهيئات تدريسية وإدارية وموازنات مخصصة لترسيخ وتعزيز ما غرس في اللاوعي أثناء المراحل الدراسية السابقة. عايشنا عملية تعليمية مستقرة تصدِّر أجيالاً يعرف كل فرد فيها دوره كعبد للدولة ومؤسساتها ورؤوس أموالها.

ولكن الحلو عمره لا يكمل. خيَّم ظلام كورونا الثقيل على مؤسساتنا التعليمية، مدمراً مناهجنا التعليمية المتينة، وبات الجيل الصاعد يواجه خطر التفكير بمستقبل مغاير عن ذاك الذي ينتظره. وفي هذه اللحظة العصيبة، أتت لنا الحكومة بحلٍّ مثاليٍّ باستخدامها تقنيات التعليم عن بُعد لتمسك زمام الموقف، فأجبرت الأهالي على تسجيل أبنائهم في المدارس والجامعات وتسديد الرسوم الباهظة، وأعادت الطلاب لتلقي الدروس والشرود والنوم على المقاعد وراء طاولات السفرة والمطبخ أو على الأرض أو في الأسرّة، لتعدَّهم كما أعدَّت آباءهم وأجدادهم، وتُفهمهم بأن ليس على المواطن السؤال عمَّا تقدِّمه له بلاده من بنية تحتية وأنظمة تعليمية وصحية وإجراءات وقائية لقاء ما يدفعه من ضرائب، بل عليه أن يسأل إن كان بإمكانه دفع المزيد من الأجور والضرائب ورسوم وبدل طوابع دون الحصول أو انتظار أي خدمات بالمقابل.

ورغم أن التعليم عن بُعد نشأ منذ سبعينيات القرن المنصرم، ولكنه لم يُثر اهتمام الأنظمة التعليمية لصعوبة تبادل شرائط الكاسيت والفيديو والكتب التعليمية والمسوّدات وأوراق الامتحانات عبر البريد، فضلاً عن إحضار الطلبة وحشرهم في مكان واحد بلا تعليم حقيقي ولا تدفئة ولا نظافة. لكن قدوم الجائحة مع وجود الإنترنت جعله منفَذاً لاستمرار التعليم، ونبَّه الجهات المختصة بضرورة أن تنقصه الخدمات أيضاَ؛ حيث تضافرت جهود الحكومة مع مختلف المؤسسات التعليمية للتأكد من عدم وجود بنية تكنولوجية ملائمة، وعدم تمكن المعلمين منها إن وجدت، وضمان رداءة الإنترنت وضياع الدروس بين “كان الصوت متقطعاَ” و”انقطع الإنترنت الزفت فجأة” و”أصلاَ لسنا مشتركين بالإنترنت” و”لا نملك ما يكفي من حواسيب”.

أما الهيئات الإدارية والتعليمية، فقد قضت ربع ساعة كاملة في التشاور حول أنسب الطرق للتعليم عن بُعد، قبل أن تستقر على الاستمرار بذات الطريقة والمناهج دون أي تعديل أو إضافة؛ لكونها بائسة مملة بالكاد يمكن للطالب تحمُّلها مع وجود الأستاذ أمامه وفوق رأسه في الصف.

لا يقتصر الإنجاز على تهيئة الطلبة للدفع دون مقابل؛ فغياب الرقابة على الطلاب، سيمنحهم الفرصة للغش او الاتكال على ذويهم أو أصدقائهم ليؤدُّوا الامتحانات نيابة عنهم، وهو درس حول كيفية تسيير الفرد لشؤونه في الدولة، وكيفية تسيير الدولة بشكل عام. وهو كذلك سيرفع معدلات البطالة؛ حين يضطر أحد ذوي الطالب للاستقالة من عمله والبقاء بجانبه سبع ساعات يومياً، لتضرب الحكومة مثلاً في تحويل التحديات إلى فرص، وتثبت أنَّ لا شيء بإمكانه الوقوف أمام جهودها في تسريع وتيرة تدهور الاقتصاد، وتحسين مدى تدهور الخدمات.

شعورك تجاه المقال؟