لايف ستايل، خبر

سيزيف يُخرج الغسيل من الغسالة ويعلِّقه على المنشر ثم يرتديه ليتَّسخ مرة أخرى ويضعه في الغسيل

عادل كامو - مراسل الحدود لشؤون العبث

Loading...
صورة سيزيف يُخرج الغسيل من الغسالة ويعلِّقه على المنشر ثم يرتديه ليتَّسخ مرة أخرى ويضعه في الغسيل

ولد سيزيف لعائلة إغريقية بسيطة، لم يكن ابن آلهة ولا ابن عم أيٍّ منهم، ولم يولد حتى على سفوح جبل أوليمبوس حيث عاش عليَّة القوم، رغم ذلك، تجرأ على مخالفة قدره، فراح يحلم ويطمح لتحقيق الأمجاد وأن يصبح ملكاً يعيش برخاء رغم أنف الآلهة، الذين اعتبروا ذلك تحدياً لهم ولسلطتهم، فقرَّروا إرساله إلى الجحيم ليعيش كإنسانٍ ينتمي للطبقة المتوسطة في القرن الحادي والعشرين.

حُكم على سيزيف بالبقاء في مكانه ومكانته على السلم الاجتماعي لجهنَّم، ومهما حلم أو بذل من جهدٍ هذه المرة، فلن يصبح ملكاً ولا مليارديراً ولا حتى مدير قسم مكافحة البعوض والصراصير في شركة وضيعة، بائس، يعمل في وظيفته ذاتها أبد الدهر لأن من في مثل أوضاعه عاجزون عن المغامرة بتقديم استقالتهم للتفرغ لتحقيق أحلامهم.

يعود إلى منزله وحيداً كلَّ يومٍ ليُكمل حياته في الدوَّامة التي رُمي فيها منذ الأزل؛ فيلقي ملابسه في سلَّة الغسيل تجهيزاً لوضعها في الغسالة وانتظار تنظيفها، قبل إخراجها منها ووضعها في طشت غسيل أو دلو استعداداً لنشرها على الحبال، وبعد بذله كلَّ هذا الجهد، يرى سيزيف ملابسه تتسخ مجدداً لامتصاصها تعرُّقه والزيت العالق بأيادي مسؤوليه الذين أنهوا غداء عمل وأتوا ليطمئنوا على تسييره أعمالهم كما يجب، ثم يطبطبون على كتفه وكأنه كلب مطيع، يراها تتسخ بما يعلق بها من الغبار والسخام التراثي المتوافر بكثرة في مناطق الفقراء وذوي الدخل المحدود، جرَّاء سقوط الشاي أو القهوة أثناء تحركه كالأهوج لإنجاز أعمال الآلهة ومسؤولياتها الكثيرة التي ألقتها على عاتقه وتفرغت لمراقبته من الطوابق العُليا والضحك عليه ثم الالتفات للمتعة وإنجاب المزيد من الآلهة الذين سيلقون بدورهم عليه المزيد من المسؤوليات، أو انفجار كيس كاتشاب سيء الصنع. يراها تتسخ لكل هذه الأسباب، فيغسلها وينشرها ليلبسها لتتسخ ويغسلها مجدداً، إلى الأبد، بلا أي هدف أو أمل بالخلاص منها أو حتى بلوغ نتيجةٍ نهائية. مجرد تكرار الفعل ذاته، بلا أي جديد، أو، ربما باختلاف عدد الجوارب التي يخرجها من الغسالة عن عددها حين وضعها بداخلها.

في هذا الصدد، يقول الفيلسوف كامو إنَّ غسيل سيزيف يدفعنا للتفكير إن كانت الحياة تستحق العيش، مؤكداً أن الانتحار هو المعضلة الفلسفية الأساسيَّة، وأنَّه أكثر أهمية من باقي علامات الاستفهام حول ماهية الوعي ووجود خالقٍ للكون واحتمالية أن تكون حياتنا مجرَّد جزءٍ من برنامج محاكاةٍ طوَّرته أشكال متقدمة من الحياة ومدى صلاحية النقود الورقية التي تكتلت على بعضها وصارت جزءا من المناديل الورقية التي نُسيت في جيب البنطال.

يطرح كامو هنا سؤالاً مهماً، لماذا لا ينتحر سيزيف؟ كيف يمكنه احتمال غسل القميص ذاته آلاف المرات رغم إيمانه التام بعبثية هذا الفعل، خصوصاً في ظل عدم امتلاكه ثمن مكيف؟ ومعرفته أنَّ أقرب ما يمكنه الوصول إليه من الراحة هو المراقبة من نافذة حافلة النقل العام المتواضعة لآخرين في سياراتهم الفارهة متجهين إلى شركاتهم أو المطار وهم يحققون حلمه بتوظيف أناس مثله لأداء مهمة الغسيل عنهم.

يؤكد كامو أنَّ سيزيف أقوى من قدره، ودماغه أنظف من غسيله، وبغض النظر إن كان لغسيل الملابس أي نهاية، فإنه حتماً يشعر بالسعادة؛ فالمغزى هنا هو الغسل بحد ذاته، وفي تلك اللحظات التي يرتدي فيها سيزيف ملابس نظيفة برائحة عطرة، يقف بجانب المنشر فخوراً يملاً غسلُ الملابس قلبه. وعلينا حينها أنَّ نتخيل سيزيف سعيداً، حتى وإن غَسَلَ الملابس الملونة مع البيضاء أو وَضَعَ سترته الصوفية في الغلي وتقلصت حتى منتصف بطنه. سيستمر على هذه الحال، مأخوذاً بالتكرار، إلى أن يدرك كم أنفق من وقت، وحينها، سيطفئ الغسالة، ويرمي الغسيل النظيف أرضاً، فيثور على العالم ويخرج إليه عارياً …

شعورك تجاه المقال؟