ما الجريمة التي قد تهدم جهود السلام إن ارتكبناها؟ إسرائيل تسأل والعرب يُثنون على سؤالها أيضاً
٢٥ يونيو، ٢٠٢٠

انطلاقاً من رغبتها بالبقاء في مأمن من جيرانها دون كبح جماح حاجتها الوجودية للجريمة ومع ازدحام سجلها بكافة أنواع الجرائم، ينتاب إسرائيل شيء من القلق حول سعة صدر العرب وقدرتهم على احتمال ممارساتها، وتتساءل عن طبيعة الجريمة التي ستقلب الحال رأساً على عقب وتزعزع الاستقرار الذي تتنعم به منذ السبعينيات، أو على الأقل، تنال من إعجابهم بها وشغفهم الدائم لإرضائها أملاً في أن تبادلهم الإعجاب.
هواجس
يخشى حمامة السلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يكون انعدام ردِّ الفعل استراتيجية حربية “ظاهرياً، يتسم القادة العرب بالغموض والكياسة؛ نرتكب الجريمة تلو الجريمة، ونسقط الغصن الأخضر من أيديهم، فليتقطونه ويلوحون به والابتسامة تعلو وجوههم، مؤكدين أنّ جهود السلام مستمرة والسلام آت لا محالة، لنُصدّق أنّهم بكل هذه الوداعة واللطف ولا يمكن لأي شيء أن يستفزهم. أتمنى لو أنهم يبدون أي اعتراض، لنتمكن من تخمين متى نتعدى الخط الأحمر وتطير جهود السلام. أين خطوطكم الحمر؟ أرجوكم قولوا لنا، يكاد الفضول يقتلنا .. هل خطتكم هي قتلنا من الفضول؟”.
ارتباك في صفوف الأحِبَّة
يؤكد بنيامين أنّ هذا الحال أشعل المنافسة في صفوف قادة إسرائيل وجنودها لمعرفة ما الذي يخبئه العرب لهم “اعتقد المرحوم شارون أنّ المسألة تتعلق بالمقدسات فاقتحم المسجد الأقصى، ومع انفجار الانتفاضة الفلسطينية والتنديد العربي، شعر أنّه يقترب قليلاً من الخط، فازداد حماسه وارتكب مذبحة جنين وطولكرم ونابلس وحاصر ياسر عرفات، قال لنفسه: إن لم يعتبروا أعداد القتلى خطاً أحمر لا بدّ أنّ اعتداءنا على رئيس عربي مثلهم سيغضبهم قليلاً، لكنّا عذرناهم هذه المرة، فوجود دولة تحظى باحترامهم كإسرائيل إلى جانب دويلة عرفات، منعتهم من الانتباه إلى أنّه رئيس عربي أصلاً”.
ويضيف “مع مرور الأعوام، بدأنا نعتقد أنّ الخط الأحمر لا يتعلق بكمية القتل، بل بالنوعية، لأنّ أعداد القتلى الكبيرة تحوّل الضحايا إلى مجرد أرقام، فتضيع جهود الجندي الإسرائيلي الذي تكبّد عناء القتل بوحشية أدراج الرياح، لذا، نفَّذنا عمليات نوعية، مثل ارتكاب مجزرة ثمّ انتظار عدة أيام كي تأخذ صداها، ولكن عبث. انتقلنا للأهداف الانتقائية: عريس، أم، أجانب، معاق، فتاة، طفل، عجوز، حرق، تنكيل، تشويه، إذلال، اعتداء على سيادة، نكث عهود معهم، صفر، لا حياة لمن تنادي. شبّحنا عليهم في الأمم المتحدة ودعسنا على رؤوسهم بالفيتوهات، لكنّهم لم يكتفوا بالتطبيع الدبلوماسي معنا، بل هرعوا للتطبيع الاقتصادي، وبتنا نبيعهم الغاز بأسعار أعلى من السوق وهم في غاية السعادة”.
العرب يخرجون عن صمتهم
في هذا السياق، يقول المحلل السياسي فهد زحلق إنّ إسرائيل مصابة بجنون الارتياب “أغلب الظن أنها تأثّرت بالدعاية التي تصوِّر العرب وحوشاً إرهابيين، مع أنّنا ودودون وديعون، لا نكتفي بإدارة الخد الأيسر حين نصفع على الأيمن، بل ننحني لنضرب على مؤخراتنا، ثم نعطيهم العصا ونتمدد على الأرض ونرفع أرجلنا لنأكل الفلقة. على إسرائيل أن تحمد الله لأن مؤسسيها الحكماء اختارونا جيراناً لهم، ولم يستولوا على الأرجنتين أو أوغندا”.
من جانبهم، أعرب ثلة من القادة العرب عن إعجابهم بحكمة إسرائيل واتباعها النقد الذاتي، يقول أحدهم “ما أعظمهم، كل يوم يثبتون لنا أنّهم أكبر مما كنا نتصور. لا شيء يرضيهم، لا يثقون بأحد ويفكرون بمستقبلهم ومستقبل المنطقة بذكاء، والله إنّهم يملكون الحق لفعل ما يريدون بنا لمجرد ذكائهم في طرح سؤال كهذا”.
شعورك تجاه المقال؟
هل أعجبك هذا المقال؟
لكتابة العنوان، اقترح فريق من ٧ كتاب -على الأقل- ما يزيد عن ٣٠ عنواناً حول هذا الموضوع فقط، اختير منها ٥ نوقشوا بين الكتاب والمحررين، حتى انتقوا واحداً للعمل على تطويره أكثر. بعد ذلك، يسرد أحد الكتاب أفكاره في نص المقال بناء على العنوان، ثم يمحو معظمها ويبقي على المضحك منها وما يحوي رسالةً ما أو يطرح وجهة نظر جديدة. لدى انتهاء الكاتب من كل ذلك، يشطب المحرر ويعدل ويضيف الجمل والفقرات ثم يناقش مقترحاته مع الكاتب، وحين يتفقان، ينتقل النص إلى المدقق اللغوي تفادياً لوجود الهمزات في أماكن عشوائية. في الأثناء، يقص فريق المصممين ويلصق خمس صور ويدمجها في صورة واحدة. كل هذا العمل لإنتاج مقال واحد. إن ضم المزيد من الكتاب والمصممين إلى الفريق التحريري أمر مكلف، ويستغرق المتدرب وقتاً طويلاً لبناء الخبرات والاندماج في العقل الجمعي للفريق.لكن ما الهدف من ذلك كله؟ بالتأكيد أنَّ السخرية من المجانين الذين يتحكمون بحياتنا أمر مريح، لكنَّنا نؤمن أنَّ تعرية الهالات حولهم، وتسليط الضوء على جنونهم، خطوة ضدَّ سلطتهم تدفعنا شيئاً فشيئاً نحو التغيير.نحن نحتاج دعمك للاستمرار بتوسيع الفريق.