تغطية إخبارية، خبر

دول خليجية تعرض للبيع بعض مقتنياتها الباهظة التي اشترتها بلحظة تهور لتعويض خسائر النفط

غسان طنبلات - مراسل الحدود لشؤون التسوُّق بذكاء

Loading...
صورة دول خليجية تعرض للبيع بعض مقتنياتها الباهظة التي اشترتها بلحظة تهور لتعويض خسائر النفط

كأيّ ولد مُدلل ولد وفي فمه ملعقةٌ من الذهب الأسود، عانى قادة الخليج من الإدمان على التسوُّق وشراء السلع غير النافعة وتبديد الأموال كيفما اتفق؛ فتراهم يقتنون من الطائرات الحربية ما يفوق عدد الطيارين المؤهلين لقيادتها، ويعقدون صفقات أسلحة وكأنهم يستعدون لغزو المجرَّة، ثم يملؤون أوقات فراغهم بتمويل الميليشيات والتسلّية بخوض حروب مباشرة أو بالوكالة مع جيرانهم، ويشيِّدون الأبراج ويشترون أندية كرة القدم والقادة واليخوت والقراصنة والصحفيين وعبد الفتاح. 

مردُّ هذا البذخ يعود لينابيع الأموال التي تفجرت من حولهم فجأة في صحرائهم القاحلة الشاسعة دون عناء العمل والإنتاج والتخطيط الاقتصادي وطلب المساعدات والمنح والقروض وجدولة القروض وإعادة جدولتها. نعم، لم يشعر هؤلاء القادة بخطورة ما اعتادوا عليه منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتّى ألقت جائحة كورونا بظلالها على قطاع النفط، وتوقفت عجلة الاقتصاد، وشرع الركود والكساد باحتلال المشهد. اكتشفوا أنّهم ليسوا بمنأى عن قواعد الفيزياء والاقتصاد التي تتحكم ببقية دول العالم، وأن عليهم إعادة النظر في جدوى الاحتفاظ بمقتنياتهم الباهظة التي اشتروها بلحظة طيش وتهوّر وعرضِها للبيع.

المشكلة هي أن شراهة الاستهلاك منعت القادة من إدراك عيوب ما يشترونه أو المساومة على سعره، حتى مع وضوح تلك العيوب لأي شخص يملك القليل من النظر، فاستغباهم الباعة، وأعطوهم أي شيء بأعلى الأثمان. لكنّ المهم الآن هو استرجاع ولو نسبة بسيطة من الأموال، خصوصاً المقتنيات الست التالية التي أثبتت عدم جدواها الاقتصادية: 

١. تيران وصنافير: ساهمت معركة القضاء المصري وبعض الكتل في البرلمان مع عبد الفتاح السيسي وحكومته وبرلمانه حول تيران وصنافير في أن تزداد قيمتهما في عين المشتري السعودي الغض المستجدِّ على السوق. وقد نجح الرئيس الدكر الفهلوي الذي يعرف كيف يسرق اللقمة من فم الأسد بالترويج لسلعته بأفضل الطرق التسويقية؛ فجيَّش إعلامه للتأكيد على جمال موقعهما وفرص السياحة والاستثمار فيهما وملائمتهما للسعودية وكأنّهما سبحان الله فُصّلتا لأجلها، وأنهما ملكها أصلاً وما عليها سوى دفع قليل من شوالات الأموال حتّى تمتلكها للأبد، فاستمات المشتري عليهما ودفع ما دفع. اليوم، مع توقف النفط والحج والعمرة، يندب المشتري حظَّه لأنهما لم تدخلا لجيبه هللة واحدة، ولأن أحداً لن يشتريهما، خصوصاً عبد الفتاح الذي اتضح أنه يبيع فقط ولا يشتري.

٢. كأس العالم: كأي طفل مُدلل يعجز عن الفوز بلعبة كرة القدم مع زملائه في المدرسة بسبب افتقاره للخفة والرشاقة وانشغاله باللعب على البلايستيشن فيلجأ أبوه الثري لرشوة المدير وتسمية الملعب على اسمه، دفعت قطر ما فوقها وما تحتها من أموال لفيفا كي تحظى بفرصة استضافة كأس العالم وإنشاء ملاعب ضخمة تحمي اللاعبين والجماهير من مناخ البلاد القاسي، لإغاظة بقية دول الخليج. الآن، قد تواجه قطر معيقات باسترداد أموالها بعد إلقاء القبض على الغالبية العظمى من مجلس إدارة الاتحاد الدولي لكرة القدم بتهم فساد ورشوة، إلا أن بوسعها الاستفادة من أحد جيرانها، إذ نجحت بإغاظته إلى حد الجنون، ولن يمانع بشراء أي شيء لمجرد أن لا تمتلكه قطر.

٣. خليفة حفتر: يعد وضع قطع الشوكولاته والعلكة والسكاكر وأكياس الشيبس في الرفوف الأمامية أمام الكاشير من أبسط الخدع التسويقية الناجحة التي تتبعها المراكز التجارية، إذ يسعد الزبون بألوانها والرسومات اللذيذة على أغلفتها، ولا يفكر بحاجته الحقيقية لها وهو يلتقط قليلاً منها ويضعها ضمن البضائع التي يودُّ شراءها، وهذا تماماً ما فعله المشير حفتر؛ حيث وضع نفسه في مقدمة المشهد السياسي وغلّف نفسه بالزي العسكري والأوسمة البرَّاقة والنظارات التي توحي بالأهمية والخطابات الوطنية، فاشترته الإمارات كدمية مسليَّة، وأهدرت أموالها على شراء اكسسوارات تزيد من بريقه مثل الطائرات المُحمَّلة بصواريخ جميلة مُضيئة، ونفذت من خلاله غارات وحروباً ووضعت تحت يده مناطق وآبار نفط، إلّا أنّها أدركت اليوم أنّ النفط الذي يُهيمن عليه حفتر لا يتميز بشيء عن نفطها، وأنها لو اشترت لعبة الولد الذي يتبوَّل حين تسحب بنطاله لاستفادت منه أكثر.

٤. عبد ربه منصور هادي: أسوأ عمليَِّات الشراء على الإطلاق وأكثرها خسارة، لم تفشل السعودية بعد شرائها هادي إلى جانب مجموعة من الدول بالاستفادة من هذا الشيء ولو حتى بوضعه على الرف كأي شمعة عطرية تشتريها بلا سبب، بل كلَّفها حتَّى الآن ملايين الدولارات لتغطية مصاريف ما بعد البيع، تماماً كشراء جرو، ومن ثمّ التكفُّل بإطعامه وتغذيته وحمايته من ضرب الجيران وأخذ صحنه والتبرير لهم سبب نباحه في الليل.

٥. عزمي بشارة: أغرى الكاتب الفلسطيني عزمي بشارة الشاب الطموح تميم برصانته وجمله البليغة ومصطلحاته الرنانة ذات الوقع الجميل على الأذن ومهاراته بتوظيفها في أي شأن لصالح مالكه. اعتقد أنّه سيشتري فيلسوفاً يُخلد اسم قطر واسمه في كتب التاريخ كما خلَّد المتنبي اسم سيف الدولة، فاشتراه ووضعه بقصر قريب من قصره، قبل أن يُدرك أنه بالغ بتقدير ثمنه في زمن المواطن الإعلامي والمواطن المفكر والمواطن الفيلسوف والفضائح والفيديوهات والتسريبات، خاصة وأنّ منافسيه نجحوا بشراء موقع تويتر بحد ذاته بما يحويه من مفكرين وإعلاميين ومواطنين وفلاسفة.

٦. يخت وقصر ولوحة المسيح: يُخصِّص بعض مُحدَثي النعمة جزءاً من أموالهم لرعاية الفن وشراء اليخوت والقصور وغيرها من دلالات الذوق الرفيع، لتغطية عقدة النقص التي تتملكهم بسبب وصولهم إلى العُلا دون سهر الليالي واكتساب ما تقدمه مواجهة الحياة من خبرات عملية وثقافية، وهو ما فعله صاحب الجلالة ولي العهد محمد بن سلمان، حين اشترى لوحة المسيح المُخلِّص لليوناردو دافنشي بـ ٤٥٠ مليون دولار، والتي تبين لاحقاً أنها مزورة. وتحلياً بمُثل المسيح المخلّص عليه السلام في التقشف وحب الفقراء، اشترى قصراً في فرنسا بـ ٣٠٠ مليون دولار، ويختاً بنصف مليار دولار، بعد قضائه على الفساد المالي في السعودية. وقد يساهم استرجاع بعض هذه الأموال في دعم ميزانيته الشخصية أو على الأقل متابعة “تحرير” اليمن بضعة أسابيع إضافية.

شعورك تجاه المقال؟