لايف ستايل، دليل الحدود

دليل الحدود لكيفية تصالحك مع حقيقة أنك لست شخصاً أساسياً في المجتمع

Loading...
صورة دليل الحدود لكيفية تصالحك مع حقيقة أنك لست شخصاً أساسياً في المجتمع

قبل أن تباشر قراءة هذا المقال، هل أنت طبيب أو طبيبة، ممرض أو ممرضة، عامل أو عاملة نظافة؟ هل تعمل في مجال التوصيل؟ هل تتاجر بالمخدرات والسجائر والكحول؟ مصمم ميمز؟ مبروك، أنت شخص أساسي في المجتمع. أرجو منك الخروج من المقال، لأن النصائح التي فيه ليست لك.  

أما أنت، ذلك الشخص غير الأساسي، ماذا تفعل في حياتك؟ كاتب مقالات ساخرة؟ إعلامي في وكالة أنباء عربية رسمية؟ طبيب أسنان؟ مستشار إدارة أعمال؟ فارض إتاوات على السيارات في المواقف العمومية؟ رجل كرسي؟ 

منذ نعومة أظفارك وأنت تظن نفسك شخصاً فريداً من نوعه، بإمكانك تحقيق أي هدف تضعه أمام عينيك، ولعبت المجاملات الاجتماعية والدعم الأسري دوراً مهماً في تثبيت هذا الوهم لديك؛ أمك التي تؤكد أنّك ذكي لكنّ حظك قليل، صديقك حين يحتاج توصيلة بالسيارة، زميلكِ الذي يبحث عن رفيقة في عيد الحب، حتّى مديرك عندما كان يُشعرك أنّ العمل لا يسير بدونك ويطلب منك العمل لساعات إضافية دون زيادة على الراتب. ولكن الشك كان دائماً يداعب خلايا دماغك، خاصة حين فشلت في الوصول إلى سقف تطلعاتك، سواء في نتائج امتحانات الصف الرابع الابتدائي أو في اختبارات أكاديمية الباليه المائي أو في دروس الموسيقى، فكنت تشك بأنّك لست فريداً من نوعك تماماً، لكنّك على الأقل شخص أساسي في المجتمع الذي تعيش به، وأنّ أحداً سيلحظ غيابك إن اختفيت من الوجود.

وحان الوقت لإيقاظك من هذا الوهم، تفضل اجلس نخبرك بالبديهيات، خذ راحتك وتمدد على الأريكة، لا أنا ولا أنت في عجلة فالحياة ستستمر بك أو بدونك، بل ربما يستفيد المجتمع لكوننا أنا وأنت هنا في المقال بدلاً من استهلاك سلع أساسية كالهواء والماء.

يا عزيزي، إنّ الذنب ليس ذنبك، بل ذنب من لم يقل لك إن الله يخلق من الشبه أربعين، وها قد جاء وباء كورونا المستجد ليخبرك على بلاطة هذه الحقيقة؛ لا يا حبيبي أنتّ لست فريداً ولست أساسياً ولن يؤثر انحشارك في المنزل لبقية عُمرك على مجريات الأحداث في هذا العالم. ومع تفرغ عائلتك للأمور المنزلية، أصبحت القصة مسألة وقت قبل أن تظهر الحقيقة أمامهم أيضاً. سيأتي يوم يخرجون القمامة بأنفسهم لأنك نائم وهم ملّوا من تنظيف الثلاجة للمرة الخمسين هذا الأسبوع. وعندها ستنتهي مساهمتك في البيت.

لكن ما هو الحل؟ كيف تجعل من نفسك شخصاً ذا قيمة أو دون قيمة لكن متصالح مع نفسه؟ بالحقيقة لو كنت أعرف جواب السؤال الأول لما أضعت وقتي بكتابة هذا المقال، فالحال من بعضه، على الأقل قد تساعدك حقيقة كثرة أمثالك النكرة غير المفيدين بتقبّل الواقع، وربما يكون التناسخ الذي يؤمن به الدروز والبوذيون حقيقة وتنتقل روحك إلى جسد كائن أكثر نفعاً.

أما بخصوص كيفية التصالح مع الواقع، فمن يكترث؟ من تعتقد نفسك أساساً؟ العالم لم يقف حين جلست بالمنزل، ولن يقف إن لم تتصالح مع هذه الفكرة. ما هو الدافع لإيمانك بخصوصيتك كبني آدم واهتمام أحدهم بتصالحك مع أي فكرة؟ طولك؟ عرضك؟ جمال تقاطيع أنفك؟ الله خلقك وكسر القالب؟ المشكلة تكمن أصلاً في أنك أنت والمجتمع من حولك أقنعك بأنك عنصر من أهم عناصر دوران الأرض، وفي الحقيقة أنه لا أنت ولا غيرك يقف أي شيء في المجرة عليه. حتى نحن ساهمنا في الموضوع، بأن خصصنا اجتماعنا التحريري اليوم وهذا المقال إليك. سأتركك الآن لأكتب مقالاً عن الباندا العملاق، فهو مهدد بالانقراض وقد يتأثر الكون بغيابه، على عكسك.

شعورك تجاه المقال؟