لايف ستايل، تقرير

قصة نجاح: هكذا نجحت بالتخلص من سيطرة كيس البزر عليّ وتركته قبل إنهائه

فدوى قناضير - مراسلة الحدود لشؤون الصراعات الوجودية 

Loading...
صورة قصة نجاح: هكذا نجحت بالتخلص من سيطرة كيس البزر عليّ وتركته قبل إنهائه

لم يكن الشاب غسان طلاسم قد أطفأ شمعته الثانية عشر بعد حين اشترى أول كيس بزر ضخم من مصروفه، وشاركه مع أصدقائه وأنهوه معاً حتّى أصفرّت أطراف أصابعهم وامتلأت بطونهم وعانوا من الإمساك ليومين متتاليين. لم يعلم غسان أنّ الإنسان عبارة عن مجموعة تجارب متراكمة، وأنّ ما يختبره في الصغر يُحفر في وجدانه إلى الأبد؛ إذ كانت هذه التجربة ضئيلة أمام ما عاناه في السنوات التالية من حياته الفارغة التي تُغري بالتمدّد أمام التلفاز وتناول المزيد والمزيد من أكياس البزر.

كبُر غسان، وازداد ولعه بالبزر؛ فبات يلتهمه بكميات مهولة ولا يتركه حتى آخر بزرة فيه. بزرة عين الشمس التي تسللّت بين حبات البزر البُني، والفستقة الوحيدة في الكيس، حتّى تلك الفاسدة التي نخرها السوس، كان يأكلها، وحين يشعر بطعم المرارة يعوّض حُليمات التذوق بالمزيد من البزر. 

اللحظة الحاسمة

يقول خبير علم النفس الاجتماعي الدكتور أمجد بلعوم إنّ هناك لحظة في حياة أي مُدمن، تدفعه للتفكير والاعتراف بإدمانه “قد تكون اللحظة التي يرى فيها الانكسار في عين أُمه وهي تتفحص فُتات البزر يسقط على قميصه وعلى الكنبة ويتحول إلى ذرات غير مرئية لا تستطيع لملمتها دون عدسة مُكبرة، أو تلك التي يناديه فيها والده طالباً المساعدة فلا يستطيع الإجابة قبل إنهاء الكمشة التي يحملها في يده، فيشعر بالعجز عن مساعدة أقرب الناس إلى قلبه ويبدأ بتحدي ذاته والتفكير جدياً بترك كيس البزر من يده قبل أن يُنهيه”.

واجه غسان هذه اللحظة في عيد ميلاده الخامس والعشرين؛ حين بدأ بالتهام البزر قبل موعد إطفاء الشمعة بنصف ساعة، وحين انطلقت الأصوات بـ “سنة حلوة يا جميل” عجز عن إفلات حبات البزر من يده وتقطيع الكعك “رأيت الخيبة في عيون الجميع، ينظرون بحزن إلى شفتي الجافة وصوتي المالح المبحوح، عمّ الصمت ولم يبق سوى صوت طقطقة قشور البزر بين أسناني. لن أنسى كيف أفسدت الصورة الجماعية بعجزي عن احتضان أمي وأبي بسبب تمسكي بالكيس”. 

المنعطف التاريخي

يؤكد الدكتور أمجد أنّ الإنسان واجه صراعات وجودية عبر التاريخ ليحافظ على بقائه، سواء مع الوحوش والطبيعية والزمن أو مع أخيه الإنسان “كُل صراع ينطوي على مجموعة من الظروف والتحدِّيات والمحدِّدات، ولكن الصراع مع كيس البزر وأكياس التسالي عموماً هو الصراع الأعنف؛ إذ لم تنجح النفس المطمئنة بالسيطرة أبداً على النفس الأمَّارة بالسوء في هذا المجال، ما يترك آثاراً نفسية مُدمرة في أعماق الإنسان العاجز أمام الأدوات التي خلقها بنفسه ليتسلّى”. 

لكنّ الإنسان لا يتوقف عن إثبات مدى قوته في مواجهة الصراعات؛ ففي الوقت الذي اعتقد فيه الجميع أنّ غسان سيمضي بقية حياته يلتهم البزر ويلعق بقايا الملح، أثبت أنّه هو من يسيطر على كيس البزر وليس الكيس من يسيطر عليه. تّذكر حادثة عيد الميلاد، تذكّر الإمساك والجفاف والتعب والإرهاق، تذكّر حتّى أيام طفولته والتهام البزر مع الأصدقاء، استجمع كل ما يملك من قوة وشجاعة، طوى صفحة الماضي وترك آخر خمس حبات بزر في قاع الكيس سليمة تماماً كما خرجت من المحمص، وشرع بممارسة حياته الطبيعية دون عودة إلى الوراء حيث الأريكة والبزر وأكوام القشر. 

الأعراض الانسحابية 

يُشير الدكتور أمجد إلى أنّ رغبة غسان بالتهام حبات البزر الخمس المتبقية هي حاجة إنسانية طبيعية، بالنظر إلى أنّه يحاول مقاومة ما يعتبر أعلى هرم ماسلو “والتصرّفُ على عكس الطبيعة البشرية يستدعي صبراً وإصراراً ومنهجية علاجية واضحة؛ لذا، من الطبيعي أن يُعاني من أعراض انسحابية مثل العصبية المُفرطة عند مشاهدة التلفاز والحكّة في أصابع اليد وزيادة مُعدّل التدخين، واللجوء لتناول الفستق”. 

ويضيف الدكتور “من الضروري جداً في هذه المرحلة مراعاة المدمن وتقبُّله، واللجوء إلى المختصين للمساعدة بتخطِّي هذه الأعراض، حتّى يتخلّص من جفاف حلقه والملح على شفتيه ويستعيد قدرته على تحريك عضلات فكه باتجاهات تختلف عن النمط الذي اعتادته لقزقزة البزر، قبل أن يُلاحظ الألم في أسنانه التي تكسرت بمرور الزمن ويزور طبيب الأسنان”.

شعورك تجاه المقال؟