لماذا لا ينقطع الإنترنت أيضاً؟ كاتب الحدود الذي يعمل عن بعد يسأل ورئيس التحرير يُجيب
مناف شنطل - كاتب الحدود لشؤون الموظفين الأقل حظاً
٢٣ مارس، ٢٠٢٠
ينطوي حظر التجول الذي فرضته الحكومة مشكورة على ميزات كثيرة، إذ لا يحتوي فيروس كورونا فحسب، بل يُسهم بتدارك الإصابة بأمراض نفسية كثيرة بسبب انحشارك مع زملائك في ذاك المكان المقيت الذي يسمونه “المكتب”. وبما أن عُطلتك بقرار رسمي، لا يُمكن لمديرك الاعتراض عليها مهما حاول، كما يُمحى من قائمة الواجبات المنزلية التخلّص من القمامة أو شراء الكركم ثمّ الفلفل الأسود وبعدها الليمون في مشاوير منفصلة إلى البقالة كُلما تذكرت والدتك واحدة من مكونات الطبخة، فضلاً عن أنّ استعمال اللابتوب أو الهاتف الخليوي طوال الوقت لم يعد سبباً لانتقادك، لأن جميع أفراد المنزل يقضون وقتهم بذات الطريقة.
وكما هو الحال في كُل حدث جلل، هُناك ضحايا وشهداء، بعضهم تنتبه لهم الجماهير وتحييهم من شرفاتها، والبعض الآخر لا تُقدّر جهودهم حتّى أمهاتهم؛ يجلسون طوال النهار وراء أجهزة الحاسوب، فيما تنعم بقية الأسرة بالاسترخاء على الأرائك، هذا ما قلته لرئيس التحرير صباح اليوم آملاً أن يخجل من نفسه ويمنحنا عطلة حقيقة كأي موظف بنك (موظف البنك يا الله يستمتع بالعطلة ونحن نعمل). وبالطبع، تعاطف رئيس التحرير مع القصة، وطلب مني الكتابة عنها كمهمة إضافية اليوم، لأني أرتاح في المنزل على أيّ حال.
لم يكتف السيد رئيس التحرير بهذا، بل تبرّع بمشاركتي في كتابة المقال من خلال الإجابة عن سبب عدم انقطاع الإنترنت حتّى الآن وإراحتي منه ومن سماع صوته وخفة دمّه وملاحظاته العبقرية وااااو، تاركاً لي مهمة ترتيب إجاباته الركيكة المُتعثرّة وتحويلها من اللغة المحكيّة إلى الفصحى وتحريرها على شكل النقاط الأربع التالية:
أولاً. حتّى تأخذ راتبك يا حبيبي
فهذه ليست جمعية خيرية حتّى تأخذ راتبك نهاية الشهر لقاء التمدّد كالبغل -مع أنّ وزني لا يتعدى الستين – وقراءة الكتب التي تشتريها باستمرار مُعتقداً أنّه حتّى لو أُتيحت لك الفرصة ستقرأها أو تستوعبها في يوم من الأيام. بعد انقشاع هذه الغُمة وفتح البنوك أبوابها لا بدّ أن يصلك راتبك كاملاً غير منقوص، وحينها، سأتغاضى عن تأخرك في تسليم المقالات واستيقاظك المتأخر يومياً قبل بدء الاجتماع التحريري بخمس دقائق ودخول الاجتماع عبر هاتفك وأنت من الحمّام، وسؤالك فوق كل هذا عن سبب عدم انقطاع الإنترنت، ولن أحسم من راتبك قرشاً واحداً.
ثانياً. عدالة السماء
لطالما تفاخرت أمام رفاقك بالميزات التي يمنحك إياها العمل في مؤسسة مَرِنة؛ حيث تستطيع العمل من المنزل في الوقت الذي يداوم فيه جميع أفراد الأسرة، والبحث عن عُلب الشوكولاته المُخبأة براحتك، ومشاهدة الأفلام والنوم ساعة أو ساعتين مع جدولة الإيميلات وكأنك أرستلها الآن (نعم، أنا أعرف هذا يا حبيب قلبي وأتغاضى عنه)، وكثيراً ما سخرت من البصمة المُثبتة على أبواب شركات أصحابك، ويمكنك اعتبار هذا الفيروس وتبديله أحوالك بأحوالهم قصاصاً عادلاً لما سببته من حسرة في قلوبهم.
ثالثاً. التهرّب من الواجبات المنزلية
حتى لو لم تكن عائلتك مقتنعة بأنّ ما تؤديه عملٌ حقيقيٌ، وأنّه مجرد نكات مكتوبة بالفصحى، خاصة مع جلوسك بينهم بالبيجامة طوال الوقت، سيقنعهم اتصالي المستمر بك للتأكّد من سير العمل بأنّك تعمل حقاً، وهو ما يغنيك عن شطف المنزل بالديتول وإعادة مسحه بالكلور وتعقيم مقابض الأبواب وغسل الطعام بالخل وإعداد السلطة وتنظيف الحمام وتحميم أخيك الصغير وتدليك أقدام قطتكم، وينقل هذه المهام ببساطة لأخيك المزعج أو أختك المُدللة.
رابعاً. لحمايتك من الجنون
احمد ربك مئة مرّة أنّ الإنترنت ما زال موجوداً، حتّى لو اضطررت للعمل من الصباح حتّى المساء، لأنّ صوتي الذي تتذمر منه أرحم من صوت مذيعة التلفاز الذي ستضطر لفتحه مع غياب الإنترنت، ودعايات المعكرونة والفرشات الطبيّة وأفلام البطل المصري الخارق على الإم بي سي ون والبطل الأمريكي الأخرق منه على الإم بي سي تو.