لايف ستايل، الحدود تسأل والحدود تجيب

ما أهمية وجود التلفزيون الرسمي؟ الحدود تسأل ومذيع الأخبار يعتذر عن هذا الخطأ الفني

تامر غباتير - خبير الحدود لشؤون الأشياء التي لا شأن لها

Loading...
صورة ما أهمية وجود التلفزيون الرسمي؟ الحدود تسأل ومذيع الأخبار يعتذر عن هذا الخطأ الفني

تقتطع وزارة الإعلام من جيوبنا مبلغاً شهرياً، لتجمع ميزانية مهولة في كل عام؛ تنفقها على مبانٍ ضخمة مليئة بالمعدَّات والكاميرات والاستوديوهات والكراسي الدوَّراة والإضاءة والديكورات وأجهزة البث تُسمِّيها “التلفزيون الرسمي”. لا يكتفي هذا التلفزيون بالبث الأرضي، بل يستأجر تردُّداً فضائياً، ليؤدي مهمة أساسية واحدة تنحصر بتفريغ كبت الدولة وتركيز الاهتمام على زعيمها وقائدها ورجالاتها الذين لا يعيرهم العالم أيَّ اهتمام.

إلا أن الأداء البائس لهذا التلفزيون، وبشكل مستمر، لم يفضِ لفشل ذريع في تلميع السلطة فحسب، بل حوَّل رجالاتها إلى مادة زخمة للسخرية والتندُّر، قبل أن ينفضَّ الناس عن متابعته ويمروا عنه كلما لاح اسمه في قائمة المحطات وكأنه لم يكن.

 نحن في الحدود، مثلكم أيُّها القراء الأعزاء، لم نكن لنفكِّر فيه أو بالحديث عنه، إلا أن تعثُّرنا بمقطع فيديو لإحدى مُقدِّمات التلفزيون الرسمي على شبكات التواصل الاجتماعي، نكأ جُرحاً قديماً؛ إذ ذكَّرَنا بمقاطع مشابهة انتشرت خلال السنوات السابقة وتجاهلناها لإصرارنا على المضي قُدُماً بحياتنا. لذا، قرَّرنا مواجهة الواقع، ومعرفة أهمية وجود التلفزيون الرسمي، وسبب استمراره بالبث حتّى اليوم، وتوصلنا إلى عدم وجود أي أهمية له بالفعل.

لكنَّ رئيس التحرير المُتحذلق أكّد لنا أنّ انعدام أهمية التلفزيون الرسمي كإعلام، لا يعني عدم أهمية وجوده، فالذباب على سبيل المثال: نُسخة مُشوَّهة عن النحل، لا يُنتج أي شيء وليس له أي أهمية، وفوق ذلك، يحوم حول القمامة والفضلات والمكاره الصحية ثم يحطُّ علينا لينقل العدوى، إلَّا أن البحث والتقصِّي وسؤال الجهات المختصة من علماء الأحياء سيقودنا لمعرفة أنه مخلوق تافه فعلاً، ولكنَّه مهمٌّ لتحقيق التوازن البيئي بشكل أو بآخر، وكذلك التلفزيون الرسمي؛ لا بُدّ أنّ هناك مبرراً ما لوجوده.

إزاء هذه المقاربة المنطقية جلسنا نبحث في الأمر، بحثنا وبحثنا وبحثنا، ثم وقفنا لنريح أرجلنا وظهورنا من الجلوس مطولاً، ثم ذهبنا وجئنا أملاً في الوصول إلى طرف خيط يساعدنا، إلى أن تعبنا وتمدَّدنا لنستريح، وحينها، سرحنا بخيالنا قليلاً، فتوصَّلنا للأسباب الأربعة التالية، لا خامس لها، تُبرر وجود هذا الشيء:

١. دعم الإعلام الخاص

فانشغال التلفزيون الرسمي بعرض أخبار انتقال القائد من الطابق الأول إلى الطابق الثاني في قصره وخروجه منه وسفره وعودته، وأخبار نجاح أولاده في الصف الثالث الابتدائي، واستطلاعات مراسليه حول آراء الناس بسقوط الأندلس، والفتاوى حول حُرمة التظاهر، وتكرار تغطية هذه المواد، أدخلَ الناس بديجافو التلفزيون الرسمي إلى أن اضطرُّوا للهرب والانتقال لمتابعة أي شيء، أي شيءٍ فعلاً، حتى لو كان إعلامنا الخاص.

٢. التخفيف من البطالة

رغم أنّك تُشاهد ذات المذيعات في برامج الصباح والمساء ونشرات الأخبار باللغتين العربية والإنجليزية، إلّا أنّ هناك أعداداً كبيرة جداً من الجنود المجهولين يعملون في التلفزيون الرسمي؛ مثل المدير العام ومدير المدير العام ومدير مكتب مدير المدير العام ومدير مكتب مدير مكتب المدير المدير العام، إضافة للمُعدِّين والمُعدَّات والمراسلين والمراسلات والميك أب أرتيست والمصوِّرين والمخرجين وغيرهم الكثير الكثير. نعم عزيزي القارئ، التلفزيون الذي لا تشاهده يعمل فيه كُل هؤلاء، لكنّ المهم هنا ليس الكمية بل النوعية؛ فالتلفزيون الرسمي وقفُ الدولة وصدقتها الجارية، حيث يُساعد كُلّ من يفتقر للمؤهلات للعمل في أي مكان آخر على تحقيق ذاته، كما يوفر مكاناً لائقاً ينتظر فيه المسؤولون لحين إعادة تدويرهم وتعيينهم في مناصب حساسة.

٣. لمّ العائلة في رمضان

لا يقلُ تلفزيون الدولة أهمية عن رمضان بحد ذاته، وكما يعود رمضان كُل عام؛ يعود الناس لمتابعة التلفزيون الرسمي لمدة شهر كامل، ولن يستطيع الإعلام الخاص وفوقه فيسبوك وتويتر وسناب شات وإنستاغرام خطف الأضواء منه، لأنّه كبسولة زمن؛ فحين تشاهد مسلسلاته وبرامجه التي شاهدتها منذ عقود وحفظتها عن ظهر قلب تتذكر حياتك قبل سنتين أو ثلاث أو عشر، لتعيش ما يرافق تلك الذكريات من عواطف ونوستالجيا، لكن الأهم، أنه يجري مسابقة ويعطيك جائزة لمجرد أن اسمك حمادة، أو لأنك حملت هاتفك واتصلت بالرقم الظاهر على الشاشة حتى لو أخطأت بإجابة السؤال الأساسي للمسابقة.

٤. تطوير القدرة على الارتجال والإبداع

يكتفي التلفزيون الرسمي بوضع نصٍّ حول سياسات الدولة الخارجية  – قد يتغير بين أسبوع وآخر – مع تثبيت إنجازات القائد على الشريط العاجل، وكل ما دون ذلك يُترك تقديره لمقدمي البرامج؛ إذ يتيح التلفزيون لهم فرصة تفريغ طاقاتهم الإبداعية والارتجال والحديث حول كل شيء يخطر في بالهم، بعيداً عن القيود الشديدة التي تفرضها المحطات التلفزيونية الأخرى بوضعها مُعدِّين ومُعدَّات يكتبون نصاً للمذيع ويلزمونه بموضوع محدّد واضح المعالم يضيع وقته بالتدرّب عليه ويخرج لإلقائه كالرجل الآلي، وحتّى حين يرغب بالارتجال، تُحدّد له قواعد مُسبقة يُدرَّب عليها شهوراً عديدة.

شعورك تجاه المقال؟