لايف ستايل، تحقيقات الحدود

تحقيقات الحدود: مَن الحيوان الذي نقل إليك فيروس الرشح؟

Loading...
صورة تحقيقات الحدود: مَن الحيوان الذي نقل إليك فيروس الرشح؟

مُنذ فجر التاريخ وحاملو الرشح ينتشرون بين الأصحّاء، متنقلين بأنوفهم الرطبة ومناديلهم المليئة بالمُخاط، وأنفاسهم التي تشهق هواءً وتزفر فيروسات إلى كل مكان؛ تسلّلوا إلى جلسات أرسطو ناشرين فيروساتهم بين تلاميذه، واندسّوا بين صفوف جيش سيف الدولة الحمداني متسبّبين بمرض المتنبي، الذي كتب قصيدة عن المرض مُتجاهلاً ناقل العدوى. ومع تطوّر البشرية، بات أولئك الأوغاد ينسلوّن بخفة إلى أماكن العمل ومدرجات الجامعات وطاولات المقاهي ومقاعد الحافلات، يتنفّسون ويتثاءبون ويعطسون ويسعلون أمامنا حولنا وفي وجوهنا دون حسيب أو رقيب.   

نحن في الحدود، وبعد أن أغلقنا آخر قضية عدوى انتشرت في مكتبنا، وصوّتنا بالإجماع على الحسم من راتب الجاني ناقل العدوى لصالح راتب المجني عليها، قرّرنا نقل تجربتنا في التحقيقات إليك عزيزي القارئ، لتكتشف من الحيوان الذي نقل إليك المرض.

أولاً. حدّد قائمة المشتبه بهم 

عليك أن تعرف بدقة متى بدأت الأعراض بالظهور عليك، ومراجعة سجلاتك لتحديد قائمة المشتبه بهم. لا تهمل أية تفاصيل؛ لا تفكر فقط بحبيبتك ومديرك بالعمل اللذين تقبلهما على كل منطقة حاملة للفيروس في جسمهما، فالكُلّ متهمون؛ أي شخص مرّ بجانبك مروراً عابراً واكتفى بتقبيلك عشرات القُبل من باب المجاملة أو وضع يده القذرة في كيس شيبسك ليأكل دون استئذان، أي خفيفة ظلٍّ أخذت سيجارتكِ من المنفضة وسحبت نفساً منها وأرجعتها دون أن تنتبهي، أيُ حيوان اشترى سيجارة إلكترونية ولم يَعُفكَ حتى أجبرك على تجربتها، صديقتكِ التي فتحت حقيبة يدك واستعملت أحمر الشفاه أو أعارتك ملابسها دون غسيل، صديقكَ الذي استمر في الخسارة وتوزيع الورق في لعبة الشدّة طوال السهرة، أُمك؛ حتّى أُمك الحنونة التي تُطبطب على من هبّ ودب وتعود لاحتضانك ناقلة لك العدوى، وأبوك الذي قد ينقل لك الفيروسات أثناء لطمك على وجهك.

ثانياً. ارجع إلى مسرح الجريمة 

مِنَ المعروف أن المجرم يحوم دائماً حول مكان جريمته، فإن نجحتَ في تذكّر أين تواجدت قبل ظهور أعراض المرض عليك، وقلّصت قائمة المشتبه بهم قدر الإمكان، عُد إلى مسرح الجريمة؛ تحوّل إلى شخص اجتماعي واسأل الجميع عن أحوالهم وصحتهم. لا تتوقع أن يعترفوا ببساطة، دقّق في ملامحهم، لون أنوفهم، آثار التمخيط المستمر على وجوههم أو أكمامهم، نبرة صوتهم المبحوح، اطلب منهم مناديل ورقية وراقب الكلب الذي يحتفظ بعلبة كبيرة منها، لكن إياك، إياك أن تركن إلى وجودها معه، لأنّ الفاعل لم يكن لينقل لكَ العدوى لو كان يستعملها، ابق في المكان أطول مدة ممكنة حتّى ينهار المجرم ويفشل في ضبط نفسه ويعطس، ولا تنس ترك مسافة أمان بينك وبين الجميع لأنّ الوغد سيعطس في وجوهكم جميعاً. 

ثالثاً. لا تتسرع في إطلاق الحكم

لا تكتف بأدلة واهية؛ فقد يكون من عطس مجرّد ضحية مثلك، انتقلت إليه العدوى من ذاك الذي نقلها إليك، لكنّ قبضك عليه سيغيّر مجرى التحقيق كاملاً، لأنه سيصير طرف الخيط الذي يمكنك من حلّ القضية؛ اسأله بهدوء من رأى خلال الـ ٧٢ ساعة الماضية، واسأل من رآهم من رؤوا، واسأل من رأى من رآهم من رأى، حدّد المشتركين بينك وبين هؤلاء كلهم، ومن رأيت منهم خلال الـ ٢٤ ساعة الماضية لتصل إلى هدفك في النهاية.

نصائح عامة

من الصعب أن نسدي لك نصيحة حول الإجراء الذي عليك اتخاذه بحق الفاعل؛ إذ نأبى في الحدود التحريض على العنف، خاصة تجاه شخص مريض بلا حول ولا قوة، لا يملك سوى حفنة من الفيروسات اختار أن ينقلها إليك بإهماله، لن نقول لك ما تفعل مع هذا الذي ستحمّله مصاريف علاجك، وتجبره على عصر الليمون وإعداد مرق الدجاج لك خلال سهره على راحتك، وشراء الهدية التي كنت ستهديها لخالتك لو لم يُعدك، وترجمة ما تقوله حين تقلب حرف الميم إلى باء، قبل التبليغ عنه للجهات الصحية المختصة باشتباهك أن يكون مصاباً بوباء مثل كورونا، وصولاً إلى الخيار الأعنف والعطس في وجهه، أنت حر بخيارك؛ لكنّ علينا تنبيهك إلى ضرورة الحفاظ على قواك أمامه، وعدم إتاحة الفرصة له لخداعك، لا تسامح هذا الحيوان إن زعم بأنّه مجرد ضحية التقط المرض من مجرم آخر، فهذه ليست مشكلتك أنت، بل مشكلته التي قرر مشاركتها معك، وعليه تحمل المسؤولية، تماماً كما ستفعل أنت بكل شجاعة مع من نقلتَ لهم الفيروس خلال التحقيق.

شعورك تجاه المقال؟