لايف ستايل، الحدود تسأل والحدود تجيب

متى ينتهي هذا المنعطف التاريخي؟ الحدود تسأل نفسها وتشعر بالدوّار

Loading...
صورة متى ينتهي هذا المنعطف التاريخي؟ الحدود تسأل نفسها وتشعر بالدوّار

مع كل ثورة أو مظاهرة أو احتجاج، تخرج علينا القيادات، أو أحد المحسوبين عليها، ليطربوا مسامعنا  بخطبة تشيد بوطنية المتظاهرين وتحيّيهم على اهتمامهم ببلدهم ومصيرها، يرافقها تهديد مبطن، أو صريح، حول مصير البلاد ومصيرهم شخصياً إذا استمروا بالتظاهر ولم يعودوا إلى بيوتهم. وتختلف طبيعة هذه الخطب من شخص لآخر، ومن بلد لبلد، لكن هناك مصطلحاً لا يغيب عن أي منها: نحن نمرُّ بمنعطف تاريخي، وفي كثير من الأحيان تضاف إليه صفة “الحاد” أي أنّنا نمرّ بمنعطف تاريخيٍ وحادّ.

لا تكمن المشكلة في مرورنا بهذا المنعطف، بل لماذا نحن وحدنا، دوناً عن بقية الخلق، نمرُّ به على الدوام؟ يُخلق أحدنا ويكبر ويتعلّم ويعمل ويتبهدل ويموت وهو يمرّ به، ما هذا المنعطف الأزلي؟ كيف دخلناه؟ من أدخلنا فيه؟ لقد توقّفنا في بعض الأوقات عن السير قُدماً وعُدنا أدراجنا، لكننا لم نتمكّن من مغادرته أو حتى بلوغ بدايته، وكأنّها لم تكن. متى ينتهي لنسلك طريقاً واضحاً مستقيماً أو متعرّجاً أو ننزلق ونهوي في القاع أو جهنم الحمراء، إن كان لا بدّ من بقائنا فيه، لمَ لا يحتوي استراحات؟ أيّ مكانٍ صغير يتيح لنا النزول وأخذ قسط من الراحة وتحريك أقدامنا وشرب كأس شاي ودخول الحمّام. 

نحن في الحدود، ولرغبتنا الشديدة بالوصول إلى مستقبل، أياً كان نوعه، كلَّفنا خبيرنا لشؤون المنعطفات والانحدار، منعم سلعنون، بأن يوافينا بتفاصيل حول نهاية المنعطف، لكنه شرع باللطم على خدّيه وندب حظّه؛ لأننا نكلّفه بهذه المهمة متخيّلين أنه يحلّق فوقنا بهليكوبتر ليرى الصورة كاملة عن بعد، أو أنه موظف في الإعلام الحكومي، ليكذب ويدّعي رؤيته الصورة كاملة ويقدّم جواباً منطقياً، وكأننا نسينا أنه معنا على ذات الطريق، ويعاني مثلنا من دوّار المنعطف. ومع ذلك، استجمع قواه وخرج بالفرضيّات الأربع التالية حول الموضوع:

١. على عكس ما يُروِّج له العلم، من الممكن أن تكون هذه المنطقة، مثلما هي خارج ركب الحضارة والتاريخ، خارج الكوكب كلّه، تقبع على كتلة تشبه المنعطف، لكن الإعلام يفبرك الحقائق ليخدّرنا ويوهمنا بأن هناك وجهة محدّدة سنصل إليها في النهاية، أي أننا في حقيقة الأمر لا نمرُّ بشيء؛ بل متسمرّون في ذات المكان دون حراك، لكن العالم يتحرّك حولنا، فنظنّ أننا نحن من نتحرك.

٢. ليس هناك منعطف من الأساس ولا تاريخ ولا أي شيء من هذا القبيل، لكن وزارة الأشغال العامة تدشّن جميع الطرق بشكل حلزوني، مع ميلان كبير إلى الأسفل، وعلى غرار كافة المشاريع عندنا، لا تنفّذه بشكل صحيح، فنشعر وكأننا نسلك منعطفاً وعراً خطراً حاداً لا نهاية له قد نتدهور عنه في أي لحظة، وهذا ما يفسّر أيضاً سبب انحدارنا المستمرّ، لأن انعطافنا في ذات الاتجاه يعني بلوغنا ذات النقطة التي بدأنا منها، فندرك لماذا نسير في دائرة مغلقة لا نهاية لها، ونتوقف مكاننا ونُفشل خطة المؤسسات الرسمية باللعب على هذا الوتر كلما ضقنا ذرعاً بأحوالنا.

٣. من المرجّح جداً أن يكون للمنعطف نهاية، ولكننا حين دخلناه، فعلنا ذلك بمركبة قديمة متهالكة ذات كوابح مهترئة، فلم ننجح بالسيطرة عليها وسقطنا في الوادي ومُتنا وبقيت أرواحنا عالقة فيه، ومنذ ذلك الحين، ونحن مثل سيزيف، كلّما اقتربنا من الوصول لآخر المنعطف، نجد أنفسنا عُدنا إلى بدايته. نعيش ديجافو مُكرّراً يتوجّب علينا تفهّم طبيعته والتأقلم معه، مثلما تفهمنا أن التاريخ يعيد نفسه.

٤. نام السائق، لا عجب من حدوث ذلك؛ فالسائق عندنا يجلس من ٣٠ إلى ٤٠ سنة خلف المقود، مما يعزّز إمكانية تعبه ونومه؛ لأن قدرات السائق الإنسان الفيزيائية محدودة في نهاية المطاف. نعم، لقد غفا السائق، وحينذاك، انحرفت يده قليلاً وبدأنا بالانعطاف الأبدي: حِدنا عن الطريق وعلقنا في منتصف الصحراء نخوض في التراب والغبار، وأملنا الوحيد أن يوافق على الاستيقاظ، أو نحظى بسائق غيره.

شعورك تجاه المقال؟