تغطية إخبارية، دليل الحدود

خمس خطوات لن تؤهلك للحديث في الشأن العام

ميادة فريال كركمون - خبيرة الحدود للشؤون التي لا علاقة لكم بها

Loading...
صورة خمس خطوات لن تؤهلك للحديث في الشأن العام

لعلَّ أهم صفة لدى المرء هي قدرته على مصارحة نفسه، علاج أي شيء يكمن بالصراحة، لذا، ولنتأكد من كون هذا المقال موجهاً لك، يتوجب عليك عقد جلسة مكاشفة مع نفسك، وطرح الأسئلة التالية: هل لديَّ سلطة أو مهنة مهمة تؤهلني للتواجد مع الذوات من أهل الجاه والسلطة؟ بالنظر إلى نفسي، هل أنا مُطالب بتقديم الطاعة لأولي الأمر أم أنني من أولي الأمر؟ إن تحدثت بشأن عام، هل سيستمع أحد لرأيي؟ أم أنني، أنا وحديثي ووجودي بحد ذاته، مجرد لاشيء؟ 

إذا كانت النتيجة تؤهلك للحديث في الشأن العام، فهذا المقال ليس مخصصاً لك. إنه جلسة مُغلقة مع القراء للحديث معهم في شؤون خاصة، شكراً مع السلامة يا حضرة المهم، نراك في مقال آخر يليق بحضرة جنابك.

أما أنتم أيها الأعزاء المتبقون، دعونا نرى المشهد عن بعد. مفتي الديار المصرية، الرجل المفوّه المفوض من الله والسلطات، قال إن الحديث في الشأن العام لم يعد مجالاً لأي إنسان للتحدث فيه. بهذا المعنى، كان لمعالي رئيس مجلس النواب الأردني مداخلة سابقة على المفتي، حين احتج أحد اﻷشخاص في قاعة المجلس على قانون الموازنة العامة، فما كان من معاليه إلاّ أن قال له “مش شغلك يا مواطن”. هناك من هم أقل أهمية من المفتي ورئيس المجلس، صحفيون بالتحديد، كتبوا الكثير احتجاجاً على منصات التواصل الاجتماعي والمساحة التي منحتها للمواطنين ليتحدثوا عمَّا في نفوسهم وما يراودهم من أفكار وما لا يعجبهم من أحوال بلادهم.

كل هؤلاء، المفتي ورئيس مجلس النواب والصحفيين، لم ينطقوا إلاّ بالحق. فالشأن العام، عام، لكن المعروف عن العوام أنهم لا يعرفون مصلحتهم لأنهم أشباه حيوانات لا تعرف مصلحتها كما يعرفها ذوو الاختصاص من أهل السلطة. لنأخذ الوزارات على سبيل المثال، هي عامة من حيث المبدأ، والطموح لإدارة إحداها حق مشروع للجميع، لكن ضمان بقائها مؤسسة محترمة يقتضي عدم السماح لكل دابة من العوام الدخول إليها وتشويهها. اليوم يستلم أحدهم الوزارة، وغداً يطمح لأخذ مناصب إلهية، كالرئاسة أو المُلك.

والآن، لا بد أن تكون قد أدركت مدى انعدام أهميتك. لا لا، لا تخجل وتتجاهل الحديث، كن صريحاً مع نفسك. دعني أذكرك بالوقائع والأدلة. هل سألك أحد عن موقفك من توقيع معاهدة سلام؟ أو صفقة دفن نفايات نووية؟ أو طرح شركة نفط وطنية للاكتتاب العام؟ أو مستوى الخدمات في المستشفيات الحكومية؟ أو بيع جزيرتين؟ هناك تعديلات دستورية كلُّ من أقرَّها متأكد من رفضك لها أنت وبقية الدهماء من أمثالك، هل اهتم أحدٌ برأيك في تعويم العملة التي بالكاد يمكنك الحصول على ما يكفي منها لدفع ما عليك من ضرائب يعلم من فرضها عجزك عن سدادها؟ هل حصل أحدهم على موافقتك قبل حفر الشارع أمام بيتك خمس مرات أسبوعياً، أو حتى قبل بناء جسر يمرُّ من غرفة نومك؟ 

رغم هذا كله، أكد المفتي أنه لا يحق ﻷي إنسان الحديث في الشأن العام. وهذا يتطلب منك جلسة مكاشفة جديدة مع نفسك، وطرح السؤال التالي: هل أنا إنسان إنسان ولا أي إنسان والسلام؟ حذار والكذب. أنت لست إنساناً، بل مجرد روح تتنفس وتأكل وتشرب وتمارس مهام بيولوجية، ويدعونها في الأوراق الرسمية الصادقة النزيهة بـ”المواطن”. أنت مواطن.

وعلى أمل أن تتمكن من التطور لتصبح إنساناً، ولكبح جنونك وتهورك ومنعك من التطرق لشأن لست أهلاً للحديث عنه أيها المواطن، سأعطيك النصائح التالية، والتي قد تفيدك يوماً ما، ربما، للخوض فيه، إلّا أنها لن تؤهلك لذلك. مع أن بإمكانك حين تشعر بالقلق إزاء مشكلة عامّة إراحة نفسك بالتفكير أن غيرك سيشعر بالقلق تجاهها.

 ١. استمع .. اقرأ .. من المصادر الصحيحة فقط

أن تكون متحدثاً جيداً، يعني بالضرورة أن تكون مستمعاً ممتازاً، وقارئاً أكثر من ممتاز. لكن لمن ستستمع؟

إذا اعتقدت أن السؤال حقيقي وليس تهكمياً، فتلك إشارة بأنك لن تستحق الحديث في الشأن العام أبداً. ستستمع للسلطة ولا أحد غيرها. من غيرُ السلطةِ يا حبيبي سيكون اﻷحرص على مصلحتك؟ من غيرها سيقول الصدق ولا شيء سواه؟ وحبذا لو كانت هذه السلطة لشخص بحكمة الرجل الذي قال “اسمعوا كلامي أنا بس .. بس”.

ولمن ستقرأ؟

هنا فخ آخر. كن صريحاً مع نفسك إذا اعتقدت أنه سؤال .. فأين ستجد الخطابة والحكمة إلَّا في خطابات الزعماء؟ خاصة لو كانت مرتجلة؛ فالزعماء كما تعلم هم ورثة الأنبياء، وكل ما قيل عن كون العلماء هم ورثة الأنبياء، تبين أنه محض افتراء وتلفيق.

بعد أن تُطرب أذنيك بسماع كلمات السلطة وتمتع عينيك بقراءة خطابات الزعماء، لم يعُد أمامك سوى التطهر.
راعِ أن الطهارة لا تقتصر على تجنب الأوساخ وعدم التمرُّغ بالوحل، لأن القذارة من حولك ومنك أنت كبيرة جداً. إذا كانت لديك أفكار شخصية، أو أفكار سمعتها من المحيطين بك، أو أفكار تربيت عليها في كنف والديك وعائلتك، أكانت بحب زعيم سابق أو زعيم دولة أخرى، أو بكره السلطة التي تحكمك بشكل عام، اغسلها وأخرجها من دماغك. يقال إن الأفكار لا تموت، لكن، إذا ضربت رأسك بالحائط كلما خطرت ببالك، وجرحت لسانك في كل مرة اقترب من نطق ما لا يجب، فستموت الفكرة. وتصل إلى الطهارة المنشودة. تذكر أن موت الفكرة أفضل من أن تموت أنت وعائلتك 🙂

٢. كن واحداً منا

لا يُعقل أن تعتقد أنك جزء من القطيع رغم  الأميال الكثيرة التي تفصلك عن شرف الانضمام إليه، تذكَّر أن مشوار الألف ميل يبدأ بالثغاء. مع العلم، أنك حين تصبح واحداً منا، لن يكون لديك وزن أعلى من غيرك. افهم، هذا الكلام لمصلحتك، كلنا نعرف مصير الخروف الأثقل.

بانضمامك إلينا، يمكنك الحديث بالشأن العام كما يحلو لك، ولكنه حديث يتميز بتوافقه تماماً مع رغبات الراعي؛ ولكن، بالله عليك، ما حاجتك للحديث وتكرار ذات الآراء التي يتفق الجميع بخصوصها ويكررونها طوال الوقت؟ لقد بذلت جهداً كبيراً لتصبح خروفاً أو ماعزاً، ولا داعي لإعادة كلام سمعه الجميع وحفظوه عن ظهر قلب، خصوصاً أن هناك الكثيرين تقتصر مهمتهم على الظهور عبر الإذاعات والفضائيات وتكراره كالببغاوات.

٣. إن لم يكن هناك من بد، تحدَّث عن الجو

يمكنك اللجوء لهذا الحل في الحالات الطارئة فقط، مع أنني لا أنصحك به، وإن قررت استخدامه فليكن على مسؤليتك. إياك إياك إلقاء اللوم على فريال كركمون واتهامها بعدم تحذيرك مسبقاً.

إن اضطررت للحديث ولم يكن أمامك خيارٌ سوى الإفصاح عن أي رأي، يمكنك الحديث عن الجو، بالخير طبعاً، في قيظ الصيف، قل إن النسمات العليلة على أرض الوطن تنعشك، وفي زمهرير الشتاء، حنان الأب القائد يُدفئك.

احرص على ألّا تأخذك الحماسة لتتناول البنى التحتية والخدمات والتخطيط المدني والعمراني، فتلك أمور عامة ذات خصوصية، ولا يحق لك ذكرها على لسانك.

٤. تجنَّب من يسألونك عن رأيك

أمثال هؤلاء لا يريدون لك الخير، وغير بعيد أن يكونوا من كلاب المعارضة أو مخبرين. حين يقترب منك من تشعر أنه سيطرح عليك سؤالاً، حتى لو كان عن الوقت أو درجة الحرارة، خذ نفساً عميقاً، ثم تشقلب في الهواء، والعب ٢٣ تمرين ضغط لتهيء نفسك للركض والابتعاد عنه ما لا يقل عن عشرين كيلومتراً. هكذا، تثبت، لنفسك أولاً، أنك مواطن صالح. وإن لم يكن مخبراً، وتصادف وجود مخبر آخر في الأرجاء، سيلقى العقاب لوحده وتنفذ أنت بجلدك.

٥. لا تقرأ مقالات تتطرق لهذا الموضوع

حتى لو كانت مقالات ترشدك لكيفية عدم الحديث عنه؛ إذ إن تكرار تعرضك لهذا المصطلح كفيل بحفره في عقلك، وحينها ستقع في ورطة كبيرة، قد تزل وتبدي رأيك غير المناسب في المكان غير المناسب، لذا، أغلق الخبر، فوراً، قد تكون المرة المقبلة التي يذكر فيها المصطلح هي التي سترسخه في دماغك، ما الذي تفعله هنا حتى الآن؟ إذن، شأ … شأ … آآآآ .. شأن عام، ها قد قلتها، تستحق هذا، لقد أخطأت حين فكرت بمساعدتك.

شعورك تجاه المقال؟