تغطية إخبارية، الحدود تسأل والحدود تجيب

كلُّن يعني كلُّن كلُّن؟ الزعامات اللبنانية تتساءل فيما بينها والحدود تجيب

Loading...
صورة كلُّن يعني كلُّن كلُّن؟ الزعامات اللبنانية تتساءل فيما بينها والحدود تجيب

لأول مرة منذ سنوات طويلة جداً، يجد سياسيُّو لبنان أنفسهم في موقف محرجٍ ومخزٍ كهذا، كيف، وهم خبراء ركوب الموجة يقفون عاجزين أمام بحر الاحتجاجات الهائج؟ جميعهم حاولوا، وجميعهم فشلوا. الوضع مقلقٌ، وإذا ما استمرَّ على هذا المنوال سيفقدون مكتسباتهم التي جمعوها على مدار سنوات طويلة من تعب الناس وشقائهم. لا أحد منهم يعرف ما الذي يتوجَّب فعله لتجاوز الأزمة؛ أحدهم هدَّد، وآخر أطلق عصابته لتُخيف الناس، منهم أيضاً من أعطى مهلة لأجل هدف مجهول، ومردُّ ذلك أنهم لم يستوعبوا شعار المظاهرات “كلُّن يعني كلُّن”؛ وهم، لغاية هذه اللحظة، تجدهم يسألون بعضهم والحيرة تعتلي وجوههم: أليس هنالك استثناءات؟ كلُّن يعني كلُّن كلُّن؟ هل أنا منهم؟ 

الواضح أن أيَّاً من هؤلاء ليس على استعداد بعد للانسحاب، ولكننا في الحدود، ولحرصنا الشديد على توضيح الصور الواضحة، نتقدم بالإجابة على هذا التساؤل، كي لا تبقى الأوضاع مُعلَّقة، وليسير التاريخ في هذه المنطقة للأمام، ولو قليلاً:

فخامة دولة البيك الأستاذ السيد، أجل، كلُّن يعني كلُّن، أنت أحدهم، واسمك شخصياً على رأس القائمة، أنت وأقاربك من الدرجة الأولى والثانية والعشرين، أنت ومقرَّبوك ومؤيِّدوك وموالوك ومن يدعمك، أنت ومُسلَّحوك وميليشياتك وزعرانك، أنت والزعماء الذين تتضامن معهم الآن حفاظاً على موقعك، والزعماء الذين تحرِّض ضدَّهم كي لا تسقط.

“كلُّن يعني كلُّن”

قد تعجز عن فهم العربية أو اللهجة اللبنانية، رغم أنك تستخدم ذات الأحرف والكلمات والجُمل، ومن المُرجح أن استعمالك لها ليس سوى إصدار لأصوات مُبهمة لا تفهم معناها تلبية لغريزة البقاء، أو أن الكلام لديك يحمل دلالات أخرى تختلف عن تلك المُتفق عليها. نحن نعرف أنك تعيش حيث تجري الاحتجاجات ضدك، لكن عقلك ووجدانك خارج البلد، وهذا ما يحول دون استيعابك معنى ثلاث كلمات بسيطة، كان بإمكان المتظاهرين اختصارها إلى كلمة واحدة، لكنهم كرَّروها ليثبِّتوا معناها في رأسك، تماماً كما عجزت عن استيعاب الكلام الذي تقوله أنت ثم تفعل نقيضه؛ مثل الوعد بتعزيز الديمقراطية ومحاربة الفساد وكهرباء ٢٤/٢٤ وإيجاد حل لأزمة النفايات والعيش المشترك و و و هفففف، والله لقد اعتلَّ قلبنا من تعداد وعودك.

فخامة دولة البيك الأستاذ السيد، لاحظ أننا جنحنا للنوايا الطيبة تجاهك، واكتفينا بعدم فهمك للغة، لم نتَّهمك بالعمالة والفساد، لأن حالك حينها سيكون أسوأ بكثير مما هو عليه، لذا سنسهِّل الأمر عليك، ونترجم “كلُّن يعني كلُّن” بعدَّة لغات، إذ من المؤكد أنك ستفهم إحداها:

Tous yaané tous

همشون يعنى همگى

Tous veut dire tous

All means all

כולם זה כולם

شعورك تجاه المقال؟

هل أعجبك هذا المقال؟

لكتابة العنوان، اقترح فريق من ٧ كتاب -على الأقل- ما يزيد عن ٣٠ عنواناً حول هذا الموضوع فقط، اختير منها ٥ نوقشوا بين الكتاب والمحررين، حتى انتقوا واحداً للعمل على تطويره أكثر. بعد ذلك، يسرد أحد الكتاب أفكاره في نص المقال بناء على العنوان، ثم يمحو معظمها ويبقي على المضحك منها وما يحوي رسالةً ما أو يطرح وجهة نظر جديدة. لدى انتهاء الكاتب من كل ذلك، يشطب المحرر ويعدل ويضيف الجمل والفقرات ثم يناقش مقترحاته مع الكاتب، وحين يتفقان، ينتقل النص إلى المدقق اللغوي تفادياً لوجود الهمزات في أماكن عشوائية. في الأثناء، يقص فريق المصممين ويلصق خمس صور ويدمجها في صورة واحدة. كل هذا العمل لإنتاج مقال واحد. إن ضم المزيد من الكتاب والمصممين إلى الفريق التحريري أمر مكلف، ويستغرق المتدرب وقتاً طويلاً لبناء الخبرات والاندماج في العقل الجمعي للفريق.
لكن ما الهدف من ذلك كله؟ بالتأكيد أنَّ السخرية من المجانين الذين يتحكمون بحياتنا أمر مريح، لكنَّنا نؤمن أنَّ تعرية الهالات حولهم، وتسليط الضوء على جنونهم، خطوة ضدَّ سلطتهم تدفعنا شيئاً فشيئاً نحو التغيير.
نحن نحتاج دعمك للاستمرار بتوسيع الفريق.