قصة نجاة: مصري يستيقظ صباحاً ويذهب إلى عمله ويعود منه دون أن يختفي قسرياً
١٠ أكتوبر، ٢٠١٩

لم يكن الشاب مُحسن يعلم أنّه سيسجّل قصة نجاة يرويها لرفاقه خارج مصر، ويذكرها المصريون جيلاً بعد جيل، حين استيقظ صباحاً وذهب إلى عمله وعاد منه، دون أن يختفي قسرياً، لا أثناء ذهابه، ولا عند رجوعه.
“وجعلنا من بين أيديهم سدّاً”
ويقول مُحسن لمراسلنا إنّه كان يوماً روتينياً عادياً “الجو حار ومغبر، الطرقات مزدحمة، والاعتقالات والإخفاءات القسرية بمستوياتها الطبيعية. استيقظت وحدي دون أن يسحلني الأمن من السرير، شربت القهوة، ارتديت ملابسي، ودّعت أمي وأختي الصغيرة وأبي وصورة أخي المُختفي قسرياً منذ أشهر، وغادرت المنزل”.
ويضيف “كنت مؤمناً بقدرتي على النجاة، لم يؤمن بي أحد غيري، لم يصدقوا أنّني قادرٌ على فعلها متسلحاً بالحظ ودعاء أمّي أن يبعد عني كل شرّ. لن أنسى ردة فعل جارتنا حين أخبرتها بثقتي أن اعتقالي سيكون في سجن معلوم يعرف الجميع أنني محتجز فيه وأوكّل محاميا للدفاع عني، كتمت ضحكتها ودعت لي أن أنال مُرادي وأوصتني بالسلام على ابنها الذي اختفى الأسبوع الماضي إن صادفته”.
وأكّد محسن أنه لم يتوقع أن يكون نجاحه كبيراً إلى هذا الحد “إذ مررت على الدكّان وعربة الفول، مشيت في الشوارع الرئيسية والفرعية مُتخطياً سيارة شرطة دون أن ينتبه أحد لوجودي. ركبت الباص، ونجوت من تفتيش وشيك. لم يتوقف قلبي عن الخفقان في طريق عودتي من العمل، إذ صادفت رجل أمن في الصيدلية، كنت متأكداً أنّ لحظتي قد حانت وبدأ شريط الذكريات يمرّ في عقلي قبل أن يشتري واقياً ذكرياً ويخرج مُكتفياً بخطف الصيدلاني، وحين عدت إلى المنزل بسلام استقبلتني زغاريد أمي وأختي وأبي الذين لم يصدقوا عيونهم، وشكرت الله على نعمة أن أكون شخصاً هامشياً، غير مرئي، وعاجزاً في نظر الدولة عن فعل أي شيء”.
محظوظ ابن محظوظة
يعترف مُحسن بأنّ الحظ لعب دوراً حاسماً في قصة نجاته “إذ نجحت في العثور على عمل منذ البداية، كما استطعت تأمين المبلغ اللازم للذهاب إليه، وها أنا أرجع منه اليوم دون أن أختفي، وكأنّني مواطن سويسري”.
وِيُكمل “لقد نجوت اليوم بأعجوبة، ولكنّ لا أحد يعلم ما الذي سيحدث غداً أو بعد غد، أو بعد لحظات، وإلى حينها سأستثمر حظي وأخاطر بالخروج مرة أخرى وشراء اليانصيب، لأنني أعرف أنني لن أحصل على حظ مماثل مرتين في عُمري”.
شعورك تجاه المقال؟
هل أعجبك هذا المقال؟
لكتابة العنوان، اقترح فريق من ٧ كتاب -على الأقل- ما يزيد عن ٣٠ عنواناً حول هذا الموضوع فقط، اختير منها ٥ نوقشوا بين الكتاب والمحررين، حتى انتقوا واحداً للعمل على تطويره أكثر. بعد ذلك، يسرد أحد الكتاب أفكاره في نص المقال بناء على العنوان، ثم يمحو معظمها ويبقي على المضحك منها وما يحوي رسالةً ما أو يطرح وجهة نظر جديدة. لدى انتهاء الكاتب من كل ذلك، يشطب المحرر ويعدل ويضيف الجمل والفقرات ثم يناقش مقترحاته مع الكاتب، وحين يتفقان، ينتقل النص إلى المدقق اللغوي تفادياً لوجود الهمزات في أماكن عشوائية. في الأثناء، يقص فريق المصممين ويلصق خمس صور ويدمجها في صورة واحدة. كل هذا العمل لإنتاج مقال واحد. إن ضم المزيد من الكتاب والمصممين إلى الفريق التحريري أمر مكلف، ويستغرق المتدرب وقتاً طويلاً لبناء الخبرات والاندماج في العقل الجمعي للفريق.لكن ما الهدف من ذلك كله؟ بالتأكيد أنَّ السخرية من المجانين الذين يتحكمون بحياتنا أمر مريح، لكنَّنا نؤمن أنَّ تعرية الهالات حولهم، وتسليط الضوء على جنونهم، خطوة ضدَّ سلطتهم تدفعنا شيئاً فشيئاً نحو التغيير.نحن نحتاج دعمك للاستمرار بتوسيع الفريق.