فنٌّ في كل مكان: مراهق يوظِّف إصبعه ليجعل من السيارات كانفاس يرسم عليه لوحات مُلهمة
معاذ شطّة - الناقد الفنِّي والأدبي الحصري لشبكة الحدود
٢٦ فبراير، ٢٠١٩
بينما كنت أسير في شوارع مدينتي أتأمَّل الجمال المختبئ في تفاصيلها وفي زوايا بناياتها، حالفني الحظ وشاهدت مراهقاً أخذ يعبِّر عن نفسه بالرسم على مركبات حارته، محوِّلاً السيارة المغبرَّة إلى كانفاس، واحدةً تلو الأخرى، ويجعل من مظهرها المملِّ الباعث على الكآبة لوحةً فنيَّةً تسرُّ الناظرين.
رفض الفنانُ تزويدي بأيِّ معلوماتٍ عن هويته الشخصية باستثناء أنَّه معروفٌ باسم “حمودة”، وهو عُرف متَّبع لدى فنَّاني الشارع، أمثال حمودة وبانكسي، الذين يخاطرون بحياتهم ويتعرَّضون للملاحقة القانونية من قِبل السلطات ويقفون وجهاً لوجه أمام أصحاب السيارات.
بدأ حمودة مسيرته منذ نعومة أظافره بتصميم الخطوط العربية والإنجليزية، محترفاً فنَّ الكاليغرافي على الزجاج عوض الورق كالفنانين العاديين، وسرعان ما انتقل إلى الرسم باللغتيْن تعبيراً عن التنوع الثقافي الذي تزخر به مدينته، “اغسلني” و “wash me”، يكتب حمودة، في رسالة واضحة لسكان الحي تناشدهم الحفاظ على جماله وأناقته.
نما حمودة ونمت معه قدراته الفنية التي صقلها كلَّما مرَّ بجانب سيارة، ورغم استمرار اعتماده على الكاليغرافي بشكلٍ رئيسي، بدأ يعبِّر عمّا يجول في داخله برسمه قلوب الحب على الطريقة التجريديَّة، ويغرق الحيَّ بتعبيره عن مشاعره تجاه سعاد ابنة جيرانه عبر دمج الكاليغرافي مع الفن التجريدي ليكتب اسميهما على جانبي قلب حب يخترقه سهم.
إنَّ أهم ما يميِّز حمودة هو رسمه على أي سطح، وعدم خوفه من خوض تجارب جديدة واكتساب مهاراتٍ من شأنها الارتقاء بهويَّته الفنيَّة، فتراه يرسم على الغبار المتراكم على السيارات، ثمَّ يحفر على أدراج مقعده في المدرسة، وفي شتاء ٢٠١٩، رسم على الثلج لوحةً تجسِّد ما يجول في خاطره في هذه المرحلة العمريَّة.