لايف ستايل، رأي

إِذَا كَانَ الْحَاكِمُ كُلّيَّ الْقُدْرَةِ، لِمَاذَا لَاْ يَقْضِيْ عَلَى الْمُعَاْرِضِيْن؟

بديع الحدود العسفاني، محرر المقامات في الحدود

Loading...
صورة إِذَا كَانَ الْحَاكِمُ كُلّيَّ الْقُدْرَةِ، لِمَاذَا لَاْ يَقْضِيْ عَلَى الْمُعَاْرِضِيْن؟

رَسَخَتْ كَيْنُونَةُ الحَاكمِ فِي الوجدَانِ الْعَرَبِيّ مُنذُ فجرِ التَّارِيخِ وعلى مَرِّ العهودِ والأزمانْ، في كُلِّ ناحيةٍ ومَكَانْ، كَذَاتٍ مُنَزَّهَةٍ عَن المَذَمَّةِ وَالصَّغَائِرْ، مُطْلَقَةٍ فِي صِفَاتِ الْحُسَنِ وَالْكَبَائِرْ، بِهَا تتجلّى مَعَانِي الْكَمَالْ، وَلَهَا يَعُودُ كُلُّ مَآلْ.

هَذَا وَقَدْ اخْتَلَف الْفُصَحَاءْ، فِي مَا أَطْلَقُوا عَلَى جَنَابهِ مِنْ أَسْمَاءْ، فَمِنْهُمْ مَنْ سَمَّاهُ رَئِيسَ جُمْهُورِيَّةٍ، سُلْطَانًا . . مَلِيكاً أَوْ أَمِيراً عَلَى الرَّعِيَّةْ، لَكِنْ اتَّفَقَ جَمِيعُهُمْ عَلَى التَّفَنُّنِ فِي حَبّهِ، وَإِنْزَالِهِ مَنْزِلَةَ قَابَ قَوْسَيْن مِنْ رَبِّهِ، وَالتَّسْبِيحِ بِصِفَاتِ شَخْصِهِ وَمَزاياهْ، وَالتَّعَطُّرِ بِالرِّيحِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ قَفَاهْ، فَهُو الْمُؤْتَمَنُ وَهُو الْخَطِيرْ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَهُو الْأَخِيرْ، وَهُوَ مَصْدَرُ كُلِّ بَرَكَة وَخَيرْ .

لَكِن شَذَّ عَلَى إجْمَاعِ الْمُجْمِعِينَ قِلَّةْ، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِم وَعَقْلِهمْ عِلَّةْ، مُشكّكين بِصِفَاتِ فخامتِه وَقُدْرَتِهِ، إثْرَ انْتِشَارِ الشرِّ فِي عَهْدِ حَضْرَتِهِ، مِن بِطَالَةٍ فتّاكةٍ . . مَحْسُوبِيَّةٍ وَفَسَادْ، وَارْتِفَاعِ أَسْعَارِ الْمَعِيشَةِ فِي الْبِلَادْ، واستشراءِ جَهْلٍ فِي نِظَام تعْلِيمْ، وَظُّلْمٍ فِي قَضَاءٍ واعتلالِ كُلّ سُلَيْمْ، وسَلْبِ الْكَرَامَاتِ وَضَيَاعِ الذِّمَمْ، وَهَوَانِ أُمَتِّنَا بَيْنَ الْأُمَمْ.

وَتَنَاسَى المُتذاكونَ أَصْحَابُ كُلِّ مَذَمَّةْ ، أَنَّ الْحَاكِمَ مِن احْتَكَمَ فِي الْحُكْمِ لِلْحِكْمَةْ، فَإِذَا هُوَ أَحَبَّ شعْبَه ابْتَلَاهْ، وَأَثْخَنَهُ ابتلاءً  كُلَّمَا زَادَ هَوَاهْ، فَذلِكُمُ امْتِحَانُ الْإِرَادَةِ والنوايا، تَبْرَأُ فِيه الْبَرَايَا مِن غِيِّ الْبَرَايَا، وَفِي ذاك يُستَبانُ الشِّعْرُ مِنْ الشَّعِيرْ، وروثُ الْخَيْلِ مِنْ رَوْثِ الْبَعِيرْ، ألا فزِدْنَا يَا رَبُّ مِنْ روثِ حِكْمَتِهِ، واعْلِ مَعَاليَ جَلَالةِ فخامتِهِ.

ثلَّةٌ أُخْرَى مِن المتذاكين اللِّئَامْ، تزرَعُ الشَّكَّ فِي قُلُوبِ الْعَوَامْ، فَتدّعي عَجزاً به وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهْ، إذا تَغَاضَى جَنَابُهُ عَنْ بَعْضِ مُعَارِضِيهْ، متناسينَ أَنّ السَّيْفَ أَمْضى مِنَ الْكَلَامْ، وَأَنَّ الْعَفْوَ -أحياناً- مِنْ شِيَمِ الْكِرَامْ .

لَكِنْ، عَفْوٌ إلَى حِينْ . . إلَى حِينٍ تَشْخَصُ فيه الْمَآقِي وَالْأبْصَارْ، وَيَهلِكُ كُلُّ من عَارَضَهُ فِي الْأَمْصَارْ، هَلَاكاً تَقْشَعِرُّ لَه الْأَبْدَانْ، ويَندى لَه جَبِينُ كُلِّ إنْسَانْ، فَلَا بُدَّ للقافلةِ أن تسيرَ بالرِّكَابْ، وتطحنَ رؤوسَ من نَبَحَ مِنَ الْكِلَابْ. ألا فنجِّنا مِنْ تجرُّعِ علقمِ هَذَه الكاسْ، يَا مَوْلَانَا وَاجْعَلْنَا إلَيْك أَحَبَّ النَّاسْ، فَأَنْتَ الْمُهَيْمِنُ وَأَنْتَ الْمُدِينْ، وَأَنْتَ الَّذِي لَا يُضَامُ لَكَ عَرِينْ.آمِيـنَ آمِيـــنَ آمِيـــــنْ.

columnist

بديع الحدود العسفاني

وُلد بديع في النصف الثاني من القرن العشرين، إلا أنَّه تمَّكن من العودة للوراء حوالي ألف سنة لانتقاء ما يحلو له من الآراء السائدة آنذاك، مؤمناً أنَّ أسلافه كانوا على حقِّ ولذلك سادوا العالم. يعمل بديع مع الحدود ليس حباً فيها ولا اتفاقاً مع آراء كتابها ومحر

شعورك تجاه المقال؟